الهزات الارتدادية لهزيمة غزة تضع الكيان على مفترق طرق...!
محمد صادق الحسيني
أجرت مجلة «شتيرن» الألمانية مقابلة صحافية مع رئيس الموساد السابق، اسحق هوفي في ثمانينيات القرن الماضي، والتي كانت يومها هي الأولى التي يجريها رئيس للموساد مع أي وسيلة إعلام في العالم، بما في ذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وقد سأله الصحافي الذي أجرى المقابلة يومها عن سر هذه النجاحات الكبرى التي يحققها الموساد والسمعة العالمية التي يتمتع بها هذا الجهاز في كل أنحاء العالم وعما يتمتع به قادته من نجومية بين قادة الأجهزة الأمنية في العالم…!
فأجابه رئيس الموساد قائلاً: إن السبب في غاية البساطة. فنحن لسنا سوبر مان ولا نحن من غير جنس البشر وإنما يعود سبب كل هذه النجاحات لأننا نقوم بعملنا الاستخباري بشكل علمي ومدروس ومبني على منهج ثابت بينما أعداؤنا، أي الأجهزة الأمنية العربية، لا يقومون بعملهم كما يجب ولذلك فهم فاشلون.
أما الآن وبعد إبداع غزة فإننا نستطيع القول:
لقد ولّى هذا الزمن يا قادة الموساد وقادة أمان الاستخبارات العسكرية وقادة الشاباك الاستخبارات الداخلية .
وإذا كان نظراؤكم من قادة الأجهزة العربية لم يعملوا سابقاً وقد لا يعملون لاحقاً للتصدي لنشاطاتكم الإجرامية، وإن عملهم يتركز على قمع شعوبهم ولنا في جريمة قتل الخاشقجي الحية خير مثال.
لكن غيرها من أجهزة الأمن العربية المقاومة هذه المرة صممت وقرّرت أن تعمل بشكل يفوق مستوى عملكم بكثير.
فها هي أجهزة الأمن في محور المقاومة تثبت يوماً بعد آخر قدرتها على الإبداع وتحقيق الانتصارات الكبرى على أجهزتكم، رغم الفرق الهائل في الإمكانيات المتوفرة لدى الطرفين، خاصة بعد تولي محمد بن سلمان ومنذ حزيران 2016 ورغم التمويل المتعاظم لعمليات الموساد في الخارج والتي تزداد من المركز الخارجي لقيادة هذا الجهاز أي من العاصمة الأردنية عمان.
وهكذا فقد كان اكتشاف مقاتلي المقاومة الفلسطينية، شرق خان يونس، لقوة خاصة إسرائيلية من لواء غولان، قبل أيّام، والتصدي لها ببسالة والاشتباك معها وإيقاع قتلى وجرحى في صفوفها ومنعها من الانسحاب من ميدان المعركة واضطرار القيادة العسكرية الإسرائيلية لاستخدام سرب مقاتلات من طراز أف 16 بالإضافة إلى سربي مروحيات حربية أقامت لهم خيمة نارية تحركوا تحتها حتى تمكنوا من عبور الحدود.
وهذا يعني أن أجهزة المقاومة الفلسطينية، الأمنية والعسكرية، كانت في أعلى حالات الجهوزية والاستعداد للتصدي لكم وإفشال جهود أجهزتكم الاستخبارية الثلاثة التي خططت لعملية خطف القيادي في حماس، مروان عيسى من خان يونس، وفشلت في ذلك فشلاً ذريعاً، وألحقت بكم هزيمة أمنية وعسكرية قاتلة في الوقت ذاته.
لا بل إن المقاومة الفلسطينية لم تقف عند هذا الحد، بل إنها وبعد دفن شهدائها، سرعان ما انتقلت إلى الرد الهجومي على جيشكم العاجز فأمطرت مستوطناتكم ومواقعكم العسكرية، المحيطة بغزة، بوابل من الصواريخ جعلت صراخ مستوطنيكم يصل إلى آذان نتن ياهو العاجز عن تقديم أي حل لهم ما اضطرهم إلى النزول إلى الشوارع والتظاهر ضد الحكومة الإسرائيلية، في محيط غزة وفِي تل أبيب أيضاً، تعبيراً عن غضبهم وإحباطهم من عجز جيشكم عن حمايتهم. خاصة بعد ما شاهد العالم هذا العجز عبر عملية الكورنيت الذي فجّر حافلة النقل العسكري الإسرائيلية شرق غزة وعملية العلم الإبداعية اللتين كان لهما أثر الصاعقة الكهربائية في أوساط جيشكم ومستوطنيكم.
وهنا لا بدّ من تسجيل هزيمة عسكرية ونفسية عميقة أصبتم بها مما اضطر هذا العنصري والعنجهي، نتن ياهو، إلى التوسل لدى مصر كي تطلب من المقاومة الفلسطينية في غزة الموافقة على وقف إطلاق النار، الذي تمّ التوافق عليه بعد التدخل المصري على عكس أكاذيبه، حيث ادعى في تصريحاته لوسائل الإعلام أن المقاومة هي مَن طلب وقف إطلاق النار.
أي أن بيت العنكبوت هذا، «إسرائيل»، لم يحتمل هزيمة أمنية تبعتها، بعد أقل من ثمانٍ وأربعين ساعة، هزيمة عسكرية مدوية انتهت بوقف إطلاق النار.
الأمر الذي كان حمل معه هزة ارتدادية قوية، ذات طبيعة عسكرية سياسية، ففي تل أبيب أطاحت الهزيمة بوزير الحرب الإسرائيلي افيغادور ليبرمان، والذي شكلت استقالته من الحكومة ضربة قوية لرئيس الوزراء، ليس على الصعيد السياسي والصراعات القائمة على السلطة بين الأحزاب الإسرائيلية فحسب، بل وكان لهذه الاستقالة تأثير أكثر عمقاً على علاقات أعمدة دولة الكيان في ما بينها.
فللمرة الأولى، منذ إنشاء «إسرائيل»، يتدخل الجيش بصورة مباشرة في السياسة الإسرائيلية، وذلك رداً على اشتراط نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، حصوله على منصب وزير الدفاع مقابل بقاء حزبه في الحكومة، الأمر الذي دفع برئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقيادة الأركان كاملة بالطلب رسمياً من نتن ياهو عدم إخضاع موضوع اختيار وزير «الدفاع» الإسرائيلي لأمزجة الأشخاص والقوى السياسية وإنما إخضاع هذا الأمر لمصلحة إسرائيل العليا.
مما يعني أن قيادة الجيش الإسرائيلي الأركان العامة ، وبعد تنفسها الصعداء إثر استقالة ليبرمان، الذي لم يكن يتمتع لا باحترام ولا محبة الأركان العام له، نقول إن هذا التحرك يعني أن الجيش الإسرائيلي قد وضع فيتو قوياً ومباشراً، ليس فقط على أشخاص بعينهم، من الذين يدور الحديث حول رغبتهم في تولي هذا المنصب فقط وإنما هم بذلك يعترضون بشدة على مبدأ المحاصصة والمساومات والابتزاز السياسي الذي تتعامل به القوى السياسية الإسرائيلية في ما بينها ويرفضون أن يكونوا ضحية هذا الواقع.
هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن الجيش الإسرائيلي بدأ يشعر لأول مرة في تاريخه أن زعماءه الفاشلين والذين يهزمون في المعارك بدأوا يضعون الكيان برمّته في الميزان…!
ثمّة من يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إن ارتدادات هزيمة قادة الكيان على يد المقاومة الفلسطينية ستكون له سلسلة من الانعكاسات المتوالية التي ستظهر آثارها بشكل هزائم لحلفاء الكيان على مستوى الإقليم، وربما المعادلة الدولية أي ان الهزيمة الكبرى هذه المرة ستمتد إلى سواحل باب المندب وهرمز وغيرها من ميادين المواجهة بين حلف المقاومة وأصدقائها روسيا والصين وبين القوى الصهيوأميركية وحلف شمال الأطلسي عامة!
بعدنا طيّبين، قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/11/17