الإسرائيلي يفقد زمام المبادرة وجبهته الداخلية تتآكل...!
محمد صادق الحسيني
تدافع الأحداث والوقائع على امتداد ساحات ومستويات الصراع بين رجال الله والعدو الصهيوني من إيلات إلى كريات يؤكد ساعة بعد ساعة أن جيش العصابات الصهيوني بدأ يفقد زمام المبادرة، بل إن «الدولة» الكيان بدأت تتآكل من الداخل وتتعرّض لمصير مجهول أقل ما يقال عنه إنها دخلت عصر التيه وفقدان التوازن، فيما بات زعماء هذا الكيان محل سخرية بعضهم بعضاً كما تسجل تقارير صراعاتهم الداخلية…!
فعندما ينشر موقع ديبكا فايل الاستخباري الإسرائيلي، موضوعاً تحت هذا العنوان «تآكل الردع الإسرائيلي يشجع الإرهابيين والقوى المعادية» على موقعه الالكتروني يوم أمس، وعند الساعة 14,47 بتوقيت فلسطين، فإنه يحاول التغطية على فقدان الجيش الإسرائيلي زمام المبادرة بشكل نهائي وأنه لَم يعد الموضوع محصوراً في تآكل قوته الردعية.
وحتى نفهم ذلك بشكل أفضل فما علينا إلا استحضار العقيدة العسكرية الصهيونية، التي طبقها الكيان الصهيوني منذ عام 1948، وهي في الحقيقة والأصل نسخة عن العقيدة العسكرية الهتلرية التي كانت تسمى بالحرب الخاطفة والحروب الاستباقية التي كانت تبادر إلى العدوان وخوض الحرب داخل أرض «العدو» ودون الحاجة إلى أية مبررات.
فهذا ما فعله الجيش الإسرائيلي في خمسينيات القرن الماضي، ضد القرى والبلدات الحدودية في فلسطين وسورية ولبنان. وهذا ما فعله أيضاً في حربي عام 1956 و1967 ضد دول الطوق العربية.
ولكن حرب 1973 التي شنها الجيشين المصري والسوري قد أفقدت الجيش الإسرائيلي قوة الردع، التي كانت إحدى ميزاته، على الرغم من استمراره بعد تلك الحرب في مواصلة اعتداءاته على القرى اللبنانية في الجنوب بحجة ضرب قواعد الفدائيين الفلسطينيين هناك، وصولاً إلى اجتياح الجنوب اللبناني في ربيع 1978. علماً أن هذا التكتيك الإسرائيلي قد أصيب بضربة استراتيجية كبرى، قضت على كل أمل له في استعادة قوة الردع، بل أفقدته مرة والى الأبد زمام المبادرة الاستراتيجية، وذلك بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في شهر شباط 1979 عندما قلبت موازين القوى في الوطن العربي والإسلامي بشكل دراماتيكي ومزلزل كما هو معروف…!
إذن فما يتآكل الآن ليس «قوة الردع» الإسرائيلية وإنما الكيان نفسه هو الذي يتآكل، كما يعتقد موقع ديبكا فايل، أي الجيش والمجتمع والجبهة الداخلية، وتلاشي ثقة السكان اليهود في إمكانية استمرار «الدولة» بعدما باتت هي التي تتآكل…!
وهذا يعني أن الأزمة، لا بل المأزق، أعمق بكثير من هذا العنوان. إنها أزمة فقدان المبادرة الاستراتيجية بالكامل والتي يتم التعبير عنها بأشكال مختلفة، من قبل قوات حلف المقاومة، وفِي تناغم مع كلمات أغنية من أغاني الثورة الفلسطينية، في سبعينيات القرن الماضي، والتي يقول مطلعها:
طالع لك يا عدوّي طالع. من كل بيت وحارة وشارع…
الأمر الذي يتم تطبيقه حرفياً على الأرض حالياً، إذا ما سجلنا الوقائع التالية، في المواجهة الجارية بين قوات حلف المقاومة والجيش الإسرائيلي، في كامل مسرح العمليات السوري اللبناني الفلسطيني، التي نلخصها بما يلي:
1 – العملية الفدائية التي نفذها فدائي فلسطيني بتاريخ 7/10/2018 في مستوطنة باركان Barkan شمال رام الله وفشل الجيش الإسرائيلي في أسر منفذها حتى الآن والتي اعتبرها المراقبون آنذاك بمثابة رسالة شهرية سلمت لقيادة الجيش الإسرائيلي بداية شهر تشرين الأول.
2 – تصدّي قوات المقاومة في قطاع غزة، منتصف شهر تشرين الثاني الماضي، لقوة استخبارية خاصة إسرائيلية، تسللت إلى منطقة خان يونس في قطاع غزة، والاشتباك معها وإفشال مهمتها. وما تبع ذلك من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، ردت عليه المقاومة الفلسطينية بقصف صاروخي مكثف، على مواقع ومستوطنات إسرائيلية في محيط غزة، ما اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي التوسّل لمصر كي تقنع المقاومة بوقف إطلاق النار، الذي تبعته استقالة وزير الحرب الإسرائيلي نتيجة لهذه الهزيمة المدوية.
3 – لجوء نتن ياهو إلى ما أطلق عليه «درع الشمال» وهي كناية عن المسرحية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي تحت هذا الأمر، على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، والتي يستغلها نتن ياهو، بصفته وزيراً للحرب، في خدمة أهدافه السياسية كرئيس للوزراء. تلك الأهداف المتمثلة في منع انهيار حكومته، منعاً من إجراء انتخابات مبكرة، وفِي محاولة منه للإفلات من الملاحقة القضائية، التي يتعرّض لها هو وزوجته بتهم الفساد، والتي ستؤدي به إلى السجن، بكل تأكيد، على الرغم من كل الألاعيب التي يقوم بها والتي من ضمنها تصريحاته المتلاحقة حول زياراته المحتملة لكل من السعودية والبحرين وفتح الأجواء العمانية أمام الطائرات الإسرائيلية….!
4 – تعرّض قوات الكيان، إلى عملية ملتبسة وغامضة حتى الآن خلف خطوط العدو، مقابل ميس الجبل في الجنوب اللبناني، أدّت إلى فك رشاشين ثقيلين من طراز ماغ عن مدرعتين «إسرائيليتين، بالقرب من خط الحدود لا يعرف أحد الآن فاعليها، وذلك بعد أن كان الإعلام الحربي التابع للمقاومة قبل يومين نشر صورة لجنديين إسرائيليين من الخلف، وهما ينظران إلى داخل الأراضي اللبنانية، ما يدلّ على أن هذه الصورة قد أخذت لهما من قبل ماهرين يقفون خلف مواقع قوات العدو داخل فلسطين المحتلة.
وهذا يعني أن مجموعة وقائع أوصلت رسالة إلى القيادة العسكرية الإسرائيلية، التي يقف على رأسها «الجنرال الهاوي» نتن ياهو، بأن قوات المقاومة قادرة على الدخول إلى الجليل، وتنفيذ أي مهمات تكلف بها، دون الحاجة إلى أنفاق وأن ما يقوم به ليس إلا لهواً عبثياً وتضليلاً للجمهور الإسرائيلي يستحق المحاكمة بسببه.
فهل فهم الجنرال الفاشل رسالة الصورة ورسالة الماغ!؟
5 – يبدو أن الفدائي الفلسطيني، الذي نفذ عملية إطلاق النار على المستوطنين اليهود، عند مدخل مستوطنة عوفرا قرب رام الله، يوم أمس، لم يكن مقتنعاً بان نتن ياهو فهم الرسالة الشهرية الأولى، فقام يوم أمس بإرسال رسالة شهرية ثانية، لوزير حرب العدو ولجيشه الفاقد أي مبادرة، بأن قوات المقاومة قادرة على توجيه الضربات له في كل مكان في فلسطين المحتلة وبكل الوسائل المتاحة، ولن تفيده لا درع شمال ولا أجواء المطبّعين الخليجيين ولا أل سعود وأوهامه المرتبطة بهم.
إن رسالة عوفرا الشهرية الجديدة تقول إن زمام المبادرة الاستراتيجية، الذي فقدته أنت وجيشك يا نتن ياهو، لن تستعيده أبداً، طالما هناك شعب فلسطيني يقاوم، مدعوم بجبهة مقاومة بكامل جهوزيتها القتالية، لشن المرحلة الأخيرة من هجومها الاستراتيجي الهادف لتحرير فلسطين، وطالما هناك فدائيون فلسطينيون يواصلون إرسال الرسائل الشهرية المشفرة والتي تهدف لتذكيرك بأنهم بانتظار عشرات آلاف المقاومين، القادمين من الحدود الشرقية، والشمالية الشرقية، والشمالية كذلك، والذين لن يستطيع جيشك ولا نواطير الغاز في المشيخات العربية من منعهم من دخول القدس مكبرين فاتحين وبأسرع مما تتوقع بإذن الله.
كما لن تنفعك تعبئة الاحتياط لا جزئياً ولا كلياً ولن تفيدك إجراءات إعلان حالة الطوارئ في وزارات وأجهزة كيانك الرئيسية التي بدأت بتنفيذها منذ أيّام.
والمقبل من الأيام يشي بأنك ستغوص في البحر وتخسف بك الأرض والأجواء تغلق بوجهك ولا خلاص لك إلا بالرحيل في أقرب الآجال…!
بعدنا طيبين، قولوا الله.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/12/11