بدأ العدّ العكسي لإطلاق المرحلة الأخيرة من الهجوم الاستراتيجي لقوات حلف المقاومة...!
محمد صادق الحسيني
مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن سحب بلاده قواتها من شمال شرق سورية، يكون الهجوم الاستراتيجي، الذي شنّته قوات حلف المقاومة قبل أكثر من سنتين، انطلاقاً من حلب في العام 2016، والتي تمّ تحريرها في نهاية ذلك العام، قد حقق نصراً جديداً يضيفه إلى انتصاراته التي يزداد تراكمها، على طريق إطلاق المرحلة الأخيرة لهذا الهجوم، والتي سيكون هدفها تحرير القدس المحتلة وبداية تفكيك قاعدة الغرب الاستعماري إسرائيل المقامة على الأرض الفلسطينية.
إذ أنّ أهمية الانسحاب العسكري الأميركي، من قواعده العسكرية كافة في سورية، بما فيها قاعدة التنف، لا تنبع من عدد الجنود والمعدات الأميركية التي سيتمّ سحبها من سورية وإنما تنبع تلك الأهمية من العناصر التالية:
1 ـ تَشكّل قناعة راسخة، لدى الإدارة الأميركية وصناع القرار ودوائر الضغط المختلفة في الولايات المتحدة الأميركية، بأنّ الإمكانيات الاقتصادية الأميركية لم تعد تحتمل تمويل المزيد من المغامرات العسكرية والحروب الفاشلة في العالم، وذلك نتيجة الهزائم التي لحقت بها الإدارة في حروب أفغانستان ولبنان والعراق وسورية. وقد أصبحت المعادلة لا تحتمل أكثر من طريقين:
ـ إما وقف التدخلات العسكرية الأميركية في العالم والتركيز، بدلاً من ذلك، على إصلاح الولايات المتحدة من الداخل على صعيد الاقتصاد والبنى التحتية وغير ذلك.
وهو الأمر الذي أشار اليه الرئيس الأميركي، في مقابلته مع صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 29/11/2018، عندما قال انّ الولايات المتحدة لا تريد أن تلعب دور الشرطي في العالم. ما يعني انتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة في موازين القوى الدولية.
ـ أو خطر انهيار الدولة الأميركية وتفككها وانتشار الفوضى الشاملة والحروب العرقية وحروب الشمال ضدّ الجنوب وتدخلات دول الجوار، مثل المكسيك، لاسترداد أراضٍ لها احتلتها الولايات المتحدة قبل أكثر من قرن كولاية كاليفورنيا ونيو مكسيكو وتكساس وغيرها…
أي أنّ قرار الانسحاب الأميركي يعني أنّ صنّاع القرار الأميركيين قد اتخذوا قرارهم بالبدء في خفض التدخل والانتشار العسكري الأميركي في العالم أكثر من ألف قاعدة عسكرية أميركية على صعيد العالم وذلك كي يتمكنوا من الحفاظ على الدولة الأميركية من الانهيار من الداخل.
ولكن ما هي علاقة السياسة الخارجية والداخلية الأميركية بالمرحلة الأخيرة من الهجوم الاستراتيجي لقوات حلف المقاومة، والذي سيكون هدفه تحرير القدس وتفكيك الكيان الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل أرض فلسطين؟
لا شك في أنّ العلاقة بين الموضوعين علاقة قوية ومباشرة وذلك للأسباب التالية:
إنّ هذا الانسحاب يعني انكشافاً استراتيجياً لـ إسرائيل ، خاصة أنّ الرئيس الأميركي كان قد صرّح قبل أسابيع قليلة بأنّ السبب الرئيسي وراء إبقاء القوات الأميركية في سورية هو حماية إسرائيل .
ومن نافل القول أيضاً إنّ الرئيس الأميركي كان يشير إلى الحضور، أو الانتشار المحدود نسبياً، للجيش الأميركي في سورية والذي لم يزد عن ألفي جندي نظامي إلى جانب بضعة آلاف آخرين من المرتزقة، وإنما كان يشير إلى التزام الولايات المتحدة بحماية إسرائيل ككيان على الصعيد الاستراتيجي.
لكن ذلك كان قبل توصل الإدارة الأميركية إلى قناعة تامة، بفشل كلّ المشاريع الأميركية في ما يطلق عليه الشرق الأوسط وما فرضه هذا الأمر الواقع أو ميزان القوى الميداني على صعيد العالم، من تغيير في التوجهات الأميركية التي ستؤدي في نهاية الأمر إلى انسحاب أميركي شامل وكامل من كافة أنحاء المنطقة، بما في ذلك إخلاء قواعده العسكرية في مشيخات الخليج.
وما الأوامر الأميركية لمملكة آل سعود، وغيرها من مشيخات الخليج، ببدء خطوات وضع حدّ لحربها على اليمن والبدء بإعادة علاقاتها مع سورية وفتح سفاراتها في دمشق إلا مؤشرات إضافية على:
قناعة الإدارة الأميركية بفشل مشاريعها الشرق أوسطية .
انتصار الدولة الوطنية السورية وحلف المقاومة.
اقتراب بدء تنفيذ المرحلة الأخيرة من الهجوم الاستراتيجي لحلف المقاومة.
علماً أنّ تنفيذ هذه المرحلة خاضع لعوامل عديدة منها الميداني العسكري ومنها السياسي الاستراتيجي، ولكن تنفيذها أمر حتمي ونتيجة ذلك لن تكون إلا نصراً مؤزراً بدخول القدس. إذ إنّ أيّ هجوم استراتيجي لا بدّ أن يمرّ في معتركات كثيرة وقد يأخذ تنفيذه بعض الوقت، كما حصل في الهجوم الاستراتيجي المضادّ الذي شنّته جيوش الاتحاد السوفياتي بتاريخ 2/10/1941، بقيادة المارشال شوكوف، لوقف الهجوم الألماني على موسكو، وقد استمرّ ذلك الهجوم حتى 31/1/1942، حيث تمكّنت الجيوش السوفياتية من دحر قوات الاحتلال الألمانية وواصلت هجومها لاحقاً. وكذلك الأمر في الهجوم الاستراتيجي المضاد للجيوش السوفياتية في ستالينغراد، الذي كان من أهمّ قادته المارشال شوكوف، قائد معركة الدفاع عن موسكو، وبدأ بتاريخ 23/8/1942 واستمرّ حتى 2/2/1943 وتتوّج بتحرير المدينة من الاحتلال الألماني.
ولكن المرحلة الأخيرة من هذا الهجوم السوفياتي، ضدّ قوات الغزو الألمانية، قد بدأت في شهر 1/1944 وكان هدفها السيطرة على العاصمة الألمانية برلين، الأمر الذي تحقق بتاريخ 8/5/1945 عندما استسلمت ألمانيا دون قيد أو شرط، بعد دخول القوات السوفياتية إلى برلين بقيادة المارشال شوكوف نفسه.
وهذا يعني أنّ الهجوم الاستراتيجي قد يطول بعض الشيء زمنياً ولكن نتائجه حتمية، خاصة إذا كان مبنياً على منهجية وخطط علمية، تأخذ بعين الاعتبار تفاصيل متغيّرات الميدان وتداخلات المصالح الإقليمية والدولية وتأثيراتها كافة على مسار هذا الهجوم.
وهذا بالضبط هو التكتيك الذي تطبّقه قوات حلف المقاومة، من خلال التفاهمات التي تجريها القيادة السورية مع كافة أطراف الميدان، بضمانة روسية إيرانية وإشراك تركيا معهما، على الرغم من حذر القيادة السورية الشديد من مكر أردوغان، إلى جانب مواصلة استعداداتها العسكرية لتحرير شمال غرب وشمال شرق سورية من الاحتلال التركي والأميركي.
علماً أنّ وقائع الميدان، بين سورية وحلفائها من جهة وبين صاحب المشروع الأميركي وأذنابه من أعراب وعثمانيين جدد وصهاينة من جهة أخرى، تؤكد على ما يلي:
1 ـ أنّ التفاهمات الروسية التركية، التي تمّ التوصل إليها يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر 2018 بين الطرفين في موسكو، لن يكون لها أيّ تأثيرات سلبية على سير مراحل الهجوم الاستراتيجي لقوات حلف المقاومة، خاصة أنّ روسيا هي الضامن لمحدودية التدخل العسكري التركي في بعض النقاط المتفق عليها لتنفيذ مهمات محدّدة ومتفق عليها، إذا ما دعت الضرورة لذلك، ثم الانسحاب إلى داخل الأراضي التركية وتسليم تلك النقاط لقوات الجيش السوري.
2 ـ أنّ مجال المناورة لدى الجانب التركي آخذ في الانكماش، ليس فقط بسبب مصالحه التجارية والاقتصادية مع إيران وروسيا فقط، وإنما بسبب تخوّفه من قيام تفاهمات سورية خليجية سعودية بنظره سيكون بالضرورة موجهاً ضدّ تركيا ومصالحها في سورية وفِي كلّ أنحاء الشرق الأوسط .
وهذا بالضبط ما دعا أردوغان للإعلان عن رغبته في لقاء الرئيس الروسي بوتين، ثم قيامه بإرسال وزراء خارجيته ودفاعه إلى جانب قائد مخابراته إلى موسكو اليوم، ليس بهدف عرقلة عملية إعادة سيطرة الحكومة السورية على شرق الفرات وغيرها من المناطق التي لا زالت خارج سيطرتها وإنما بهدف تسهيل ذلك وطلب ضمانات من الطرف الروسي بأن لا تتحالف سورية مع الإمارات والسعودية من جديد على حساب تركيا.
3 ـ أنّ الرسالة الصاروخية التي أرسلتها سورية إلى الكيان الصهيوني، بعد سلسلة الغارات التي شنّتها الطائرات الإسرائيلية ، من داخل الأجواء اللبنانية، على ريف دمشق الجنوبي الغربي ليلة 26/12/2018، قد وصلت وبالبريد المسجل وإيصال استلام من قبل القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية .
ولمن لا يعلم فإنّ ما نقوله في هذا السياق هو ما يلي:
إنّ قوات حلف المقاومة، ورداً على محاولات الإغارة الإسرائيلية الفاشلة من الجو، وقبل انتهاء تلك المحاولات، قد وجهت ضربة صاروخية، من خلال إطلاق 18 صاروخ أرض أرض ثقيل، على مجموعة أهداف عسكرية إسرائيلية مختارة، بينها:
ـ إحدى القواعد الجوية الإسرائيلية في محيط مدينة حيفا.
ـ قاعدة عسكرية ومنشآت صناعية حساسة في كلّ من: قيسارية/ الخضيرة/ أور، عاكيفا/ بنيامينا/ عين شيمر، ولكن سلطات الرقابة العسكرية الإسرائيلية ، التي منعت وسائل الإعلام الإسرائيلية من نشر أيّ خبر عن هذا القصف الصاروخي، لم تستطع أن تمنع نصف مليون مستوطن من النزول إلى الملاجئ رغم عدم قيام قيادة الجبهة الداخلية بطلب ذلك من السكان. وهذا يعني أنّ القيادة العسكرية الإسرائيلية لم تجرؤ على الإعلان عن ذلك حتى لا تجبر نفسها على الردّ الذي قد يقود إلى اتخاذ قيادة قوات حلف المقاومة قرار بدء المرحلة الأخيرة من الهجوم الاستراتيجي والذي تعرف تلك القيادة نتائجه مسبقاً.
إذن، لقد وصلت الرسالة. وما ابتلاع إسرائيل للسانها إلا أبلغ ردّ عليها، وأقوى دليل على أنّ العدّ العكسي لبدء المرحلة الأخيرة، المشار إليها أعلاه، قد بدأ فعلاً، ذلك الهجوم الذي سيحرم العدو الصهيوني ليس فقط من استخدام طائرات سلاح الجو الذي يفاخر بقوته وإنما أيضاً من جيشه المترهّل كما وصفه مفتش شؤون الجنود في الكيان الغاصب، الجنرال احتياط يتسحاق بريك. وأما عن الجبهة الداخلية فحدّث ولا حرج، حسب ما قال قائد هذه الجبهة، الجنرال تايمر يِدعي، بتاريخ 26/11/2018.
يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/01/04