انقلاب واشنطن في كراكاس وسبل المواجهة البوليفارية...!
محمد صادق الحسيني
إنّ مخططات الولايات المتحدة العدوانية، وتصعيد التآمر المفتوح والمفضوح والمناقض لكافة القوانين والأعراف الدولية، تجاه فنزويلا ورئيسها ونظامها السياسي، ليس بجديد على السياسة الخارجية الأميركية ولا هو من اختراع الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب. إذ إنّ المؤامرات، التي تقوم بتنفيذها إدارة ترامب الحاليّة، تعود في الحقيقة إلى بدايات القرن التاسع عشر وتعتبر امتداداً «لعقيدة مونروي» Monroe Doctrine ، التي أطلقها الرئيس الأميركي آنذاك، جيمس مونروي James Monroe وذلك عبر خطاب ألقاه أمام الكونغرس الأميركي، بتاريخ 2/12/1923، والذي حدّد فيه الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية، والتي تتمحور حول النقاط التالية:
1 – وجود منطقتي نفوذ في العالم Two Spheres . وتمثلت عندئذ في منطقة النفوذ الأميركية ومنطقة النفوذ الأوروبية.
2 – عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية الأوروبية، وسمّي هذا المبدأ بالانجليزية: Non –
Intervention، إلا في حال تجاهلت الدول الأوروبية هذه المبادئ.
3 – إنهاء أطماع الاستعمار، في منطقة النفوذ الغربية /أيّ الأميركيين / بمعنى وقف محاولات إعادة السيطرة على الدول التي نالت استقلالها حديثاً في تلك الحقبة. وقد سمّي هذا المبدأ
بالانجليزية: Non – Colonization.
4 – وعلى قاعدة ما ذكر أعلاه قام الرئيس الأميركي، في خطابه المذكور، بإطلاق شعار أميركا للأميركيين… وهو ليس بعيداً، في جوهره، عن شعار دونالد ترامب القائل: أميركا أولاً.
أما في ظلّ الصراع الدولي القائم حالياً على مناطق النفوذ، الذي تغذيه عدوانية الولايات المتحدة بأشكال وأساليب مختلفة، فإنّ صراع الولايات المتحدة الأميركية لم يعد مقتصراً على القوى الاستعمارية الأوروبية، للسيطرة على أميركا الجنوبية، كما كان الوضع في بداية القرن التاسع عشر، وإنما انتقل هذا الصراع إلى دائرة أوسع وصلت إلى روسيا والصين وإيران، نتيجة للتحوّلات الجيوسياسية التي شهدها العالم.
وعليه فقد عمدت الإدارة الأميركية إلى توظيف وسائل وأساليب جديدة، بهدف مواصلة سيطرتها على مقدرات شعوب أميركا الجنوبية، والتي تعتمد على القوة العسكرية والنشاط المخابراتي التخريبي، الذي يهدف إلى تحقيق سيطرة الولايات المتحدة المطلقة على كلّ قارة أميركا الجنوبية. وهو ما يعني محاربة أيّ حكومة أو قوة سياسية، في تلك القارة تحاول أن تعارض سياسات الولايات المتحدة أو حتى المطالبة بهامش أوسع من الاستقلالية، كما كان الوضع في البرازيل والأرجنتين وتشيلي في العقدين الماضيين، وصولاً إلى صعود حركة اليسار البوليفارية في فنزويلا إلى السلطة قبل حوالي عقدين من الزمن، وعبر انتخابات حرة ونزيهة. الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة للعودة إلى أساليب تغيير الحكومات الوطنية بالقوة، كما فعلت عام 1973 عندما دعمت مجموعة انقلابية تشيلية في تنفيذ انقلاب عسكري في تشيلي، أدّى إلى قتل الرئيس الشرعي للبلاد، سلفادور الليِنْدي، واستيلاء عملاء الولايات المتحدة من الجنرالات على الحكم وإقامة نظام حكم عسكري قتل عشرات آلاف الأبرياء من الشعب التشيلي.
إذن، فقد عمدت الولايات المتحدة الى إعادة تفعيل سياسة إسقاط الحكومات والدول الوطنية في تلك القارة، وذلك من خلال:
أ – إقامة 76 قاعدة عسكرية في دول عدة من دول أميركا الجنوبية والبحر الكاريبي، التي من بينها: بنما/ بورتو ريكو /كولومبيا /البيرو .
ب – إقامة قواعد تجسّس وحرب إلكترونية/ إعلامية/ حرب نفسية في أميركا الجنوبية، للتأثير في الرأي العام هناك وتأليبه على الحكومات الوطنية.
ج- ومن أجل ذلك أقامت الولايات المتحدة قبل فترة وجيزة، بالتعاون مع الأرجنتين وعلى أراضٍ أرجنتينية، قاعدة تجسّس رئيسية أو إقليمية، أطلقوا عليها اسم مركز الأمن الإقليمي، وذلك عند المثلث الحدودي بين الأرجنتين والبرازيل والبراغواي.
د- توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين البنتاغون ووزارة الدفاع البرازيلية، في شهر 11/2017، تقوم جيوش الدولتين بموجبها بتنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة في غابات الأمازون.
إذن فهو نشاط عسكري أمني دعائي تخريبي واسع النطاق، يشمل المساحة الممتدّة من حدود المكسيك مع الولايات المتحدة شمالاً، وحتى القطب المتجمّد الجنوبي، في أقصى جنوب قارة أميركا الجنوبية. وهذا الأمر يستدعي إدارة العمليات في هذا المسرح الشامل بشكل منهجي ومخطط ومدروس ومن قبل جهات مختصة عالية الكفاءة، خاصة أنّ معركة السيطرة على هذه القارة ليست مقتصرة على المواجهة مع فنزويلا وكوبا، كما ذكرنا سالفاً.
ومن أجل تحقيق ذلك قامت الولايات المتحدة بما يلي:
أولاً: توسيع صلاحيات القيادة الجنوبية South COM في الجيوش الأميركية، بحيث تشمل تنسيق وإدارة كافة عمليات الجيوش الأميركية في أميركا الجنوبية.
يقين, [٣٠.٠١.١٩ ٠٧:٣٧]
ثانياً: توثيق العلاقة والتعاون بين هذه القيادة وبين وكالة الاستخبارات الجوفضائية الأميركية National Geospatial-intelligegence Agency . علماً أن هذه الوكالة هي أهمّ وكالة تجسّس عسكرية أميركية يشمل عملها الجانبين العسكري والتجاري بالإضافة إلى الاستطلاع الميداني وإعداد الخرائط.
ثالثاً: إقامة ثلاثة غرف عمليات، للإشراف على إدارة الميدان في أميركا الجنوبية، حيث توجد الغرفة الأولى في ولاية فلوريدا الأميركية والثانية في سوتو كانو Soto Cano في هندوراس. أما الثالثة فتوجد في القاعدة الأميركية، المقامة على أراضٍ كوبية محتلة، في غوانتانامو Guant namo.
ولعلّ من الجدير بالذكر التنويه إلى أنّ قائد القيادة الجنوبية في الجيوش الأميركية، الأدميرال كورت تيد Kurt Tidd، قد لخّص التحديات والأهداف الأميركية وخططه الاستراتيجية، في أميركا الجنوبية لفترة السنوات العشر المقبلة، وخلال حديث له أمام الكونغرس الأميركي في شهر شباط 2018، بالنقاط التالية:
أ أنه وبالنظر إلى القرب الجغرافي، بين الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية، وبسبب العلاقات التجارية والمواضيع المتعلقة بالهجرة، فإنّ تأثير هذه القارة في الحياة اليومية للولايات المتحدة اكبر من تأثير أيّ منطقة أخرى في العالم.
ب أما التحدي الأهمّ، حسب ترتيب الأولويات من قبله، فيتمثل في محاربة الاتجار بالمخدرات وأعمال العصابات الإجرامية، المحلية – في دول أميركا الجنوبية – أو تلك العابرة للحدود.
ج محاربة الوجود أو النفوذ المتزايد لكلّ من الصين وروسيا وإيران في أميركا الجنوبية.
من هنا فإنّ مواجهة الحملة التي بدأتها واشنطن، ضدّ الدولة الوطنية في فنزويلا ورئيسها البوليفاري، لن تكون سهلة ولا جولة صراع قصيرة وسريعة، وإنما ستكون مواجهة طويلة ومتجذرة وشاملة، تستخدم فيها الولايات المتحدة كافة الأسلحة والأدوات التي في حوزتها وهي كثيرة. مما يعني أنّ الولايات المتحدة لن تعمد إلى تنفيذ محاولة غزو فاشلة، كتلك التي نفّذتها في خليج الخنازير في كوبا بتاريخ 17/4/1962، وإنما ستقوم بمواصلة الضغط الاقتصادي والمالي والحصار الخانق، إلى جانب تنفيذ عمليات تخريبية واسعة ضدّ أهداف اقتصادية /نفطية / وكذلك ضدّ مراكز عسكرية وأمنية، معتمدة في ذلك على الإمكانيات اللوجستية لقواعدها العسكرية، الموجودة في كل من كولومبيا والبيرو المجاورتين لفنزويلا، وذلك لإشاعة الفوضى الشاملة في البلاد، تمهيداً لاستيلاء عملاء الولايات المتحدة في المعارضة الفنزويلية – المنقسمة على نفسها – على الحكم وإعادة سيطرة شركات النفط والتعدين الأميركية على ثروات فنزويلا وتكريس كون أميركا الجنوبية حديقة للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي التسبّب في عرقلة التعاون البنّاء والمثمر بين الثلاثي الصيني الروسي الإيراني ودول تلك القارة في الحدّ الأدنى.
وهذا أمر يستدعي:
تعميق وتوثيق التعاون بين الدول الثلاث، لإيجاد استراتيجية مشتركة لمواجهة المشروع الأميركي القاضي بإسقاط قارة أميركا الجنوبية، وبشكل سريع جداً، ينطلق من ضرورة تعزيز الصمود الاقتصادي لحكومة فنزويلا الوطنية.
– الأخذ بعين الاعتبار أنّ الدور الأوروبي، في هذه الأزمة، هو دور الذيل التابع والذي ظهر واضحاً في المواقف التي اتخذتها الدول الأوروبية من الانقلاب واعتراف معظمها بمنفذ الانقلاب الأميركي الفاشل. هذا الموقف الذي يتساوق تماماً مع عقيدة الرئيس الأميركي السابق، جيمس مونرو 1923، الذي أعلن فيه أنّ الغرب أميركا الشمالية والجنوبية هو منطقة نفوذ للولايات المتحدة .
– تعزيز دعم التنظيمات والمجموعات والأحزاب اليسارية والتقدمية في عموم القارة، حتى لو كانت تبدو غير فاعلة حالياً، وذلك لأنّ ما يجري هناك هو حلقة من حلقات الصراع الجيوسياسي الدولي التي يجب أن تعطى حقها، والتي انْ تمكنت الولايات المتحدة بنتيجتها من تثبيت سيطرتها على أميركا الجنوبية، فإنّ ذلك سيعني توسيع السيطرة البحرية الأميركية في المحيطين الأطلسي والهادئ الأمر الذي سيلحق ضرراً استراتيجياً كبيراً بالنشاط البحري الصيني والروسي كما الإيراني أيضاً.
– لذا فإنّ المطلوب الآن، إلى جانب الدعم الاقتصادي الواسع لحكومة الرئيس مادورو، هو البدء بالحشد السياسي الاستراتيجي، في قارة أميركا الجنوبية، تمهيداً لاستعادة المراكز القيادية، التي سقطت في أيدي الولايات المتحدة، في عدد من دول القارة، وهو أمر ليس مستحيلاً وإنما يحتاج إلى قراءة دقيقة، للظروف الموضوعية في تلك الدول، والاستفادة من الإمكانيات المتوفرة، لدى الثلاثي الصيني الروسي الإيراني، واستثمارها سياسياً على المدى البعيد، وبأقصى درجات الكفاءة لضمان تحقيق النجاح على المدى المتوسط والبعيد.
بعدنا طيبين، قولوا الله.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/01/30