رواتب أعضاء هيئة التدريس ومكافآتهم!
أحمد الهلالي
تستحوذ الهموم المعرفية والبحثية على الأستاذ الجامعي، ويظل دائب التفكير منصرفا عن كثير من شؤون الحياة، فلديه العبء التدريسي، والساعات المكتبية، ومهام الإرشاد الأكاديمي، ومجالس القسم، ومهام اللجان على اختلافها على مستوى (القسم ـ الكلية ـ الجامعة) وكذلك مهام التحكيم داخل الجامعة وخارجها، أضف إلى ذلك اشتراط لوائح التعليم العالي نشاط العضو في خدمة المجتمع خارج الجامعة، ناهيك عن الأعمال الورقية المتكاثرة التي تتشبث بها الجامعات للتقدم في التصنيفات العالمية للاعتماد الأكاديمي والجودة، فلو ألّف عضو هيئة التدريس كتابا في مقرره الدراسي لكان أيسر مما يسمى (حقيبة المادة)، مرورا بالدورات وورش العمل وغيرها كثير، زد على ذلك الصراع النفسي والإحباط الذي يعيشه بعضهم بسبب استحواذ الأساتذة المتنفذين على الفرص المجدية، وترك ما عداها للأساتذة الكادحين.
أما اجتماعيا، فهو الرجل (المنطوي)، فاعتذاراته عن حضور المناسبات الاجتماعية سمة ملازمة، وعلى مستوى الأسرة هو الكائن المعقد المشغول باستمرار، فلا وقت فراغ له ولا إجازة، فإن عاد من جامعته استمر دوامه في مكتبه بين الأوراق والكتب، ومراسلة المجلات والمراكز البحثية، وإن جلس مع أسرته فجسد بلا روح، عقله معلق في قضاياه ومشكلاته المعرفية، أو صراعاته (النفسية/ الفكرية)، ناهيك عن أسفاره للمؤتمرات والملتقيات ومناقشات الرسائل العلمية في جامعات أخرى، ومطارداته للكتب في المعارض والمكتبات، وإن كان مشرفا على طلاب الدراسات العليا فلا تبحث في وقته عن (مغز إبرة).
هذا الكائن المزدحم بكل هذه الأعباء، مهما حاول تنظيم وقته فلن يستطيع، فهو (طريد الهموم) يسابق الوقت دائما، ومصدر رزقه ورزق أسرته راتبه فقط، ولو وجد فرصا أخرى فوقته لا يسمح له أصلا، وإن ضغط على نفسه فسيقصر في واجبات وظيفته، وهذا الراتب لا يفي بكل متطلباته المعيشية، فالراتب ثابت وتكاليف المعيشة تزداد، فلا يحصل على بدل سكن، وإن وفرت بعض الجامعات السكن فمحسوم إيجاره من راتبه، ولا بدل تعليم للأبناء، والبدل التعليمي الذي يتقاضاه يحسم مباشرة لو تقدم على تفرغ أو اتصال علمي أو خفض نصابه، أو لازم الفراش في إجازة مرضية طويلة، وبدلات التميز والندرة لا تصرف إلا في ظروف وأحوال خاصة ولفئة قليلة.
وفوق ذاك كله فكثير من الجامعات لا توفر الرعاية الصحية لمنسوبيها وأسرهم، وهذا يرهق كاهل الأستاذ الجامعي، فمستشفيات الصحة تستنزف وقته، والمستشفيات الأهلية تستنزف محفظته، ناهيك عن أساتذة وأستاذات عينوا في جامعات أو فروع بعيدة عن مساكنهم، ويكلفهم السكن بالقرب من جامعاتهم الكثير، ولا يحصلون على بدل سكن، والمواصلات سواء (البرية أو الجوية) تستهلك قدرا كبيرا من رواتبهم أسبوعيا في حركتهم بين مدنهم الأصلية ومدينة العمل.
أما على المدى الطويل فمكافأة نهاية الخدمة لأعضاء هيئة التدريس تشترط أن يكون قد أمضى عشرين عاما من تاريخ تعيينه بدرجة (محاضر) وهناك أساتذة عينوا معيدين، ثم ابتعثوا داخليا أو خارجيا، ولم يمروا بدرجة محاضر أصلا، فترقوا بعد ثماني أو عشر سنوات إلى رتبة أستاذ مساعد، فلماذا لا تحتسب لهم من تاريخ التعيين على درجة معيد أو على الأقل احتساب تاريخ حصولهم على الماجستير كما أوصى مجلس الشورى، وهناك أساتذة عُيّنوا في سن متقدمة، أو نُقلت خدماتهم من التعليم العام، وتاريخ تعيينهم سيحرم كثيرا منهم المكافأة، فما المانع أن تكون المكافأة بعدد السنين التي انتسب فيها إلى الجامعة (قلّت أم كثرت)، وهذا ما نرجو أن تقره الوزارة.
يجب أن تعيد وزارة الخدمة المدنية ووزارة التعليم النظر في سلم رواتب أعضاء هيئة التدريس، وزيادتها من أوجب الواجبات، حتى تبلغ في أقل تقدير متوسط ما يتقاضاه نظيره في دول مجلس التعاون، ويجب ألا تتردد الوزارتان في دعم عضو هيئة التدريس ماليا ومعنويا وتثبيت البدل التعليمي في راتبه ما دام يدخل إلى القاعات الدراسية كما أقر ذلك مجلس الشورى عام 2015، لا يمس ذلك البدل تفرغ ولا نقص عبء تدريسي، وأن يحظى بمميزات مالية منصفة نظير الأعباء التي يتحملها، فالأستاذ الجامعي يستحق ذلك، خاصة وأعباء الحياة وتكاليفها تزداد قسوة وضراوة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2019/02/21