القارة الإيرانية والقرار الأميركي الممنوع من الصرف...!
محمد صادق الحسيني
يكفي أن تتمعّنوا جيداً في خريطة إيران ثم تنظروا إلى عقارب التاريخ في ساعاتكم أيها الأميركيون حتى تتأكدوا أنكم لن تتمكّنوا من محاصرة إيران على الإطلاق ناهيك عن قدرتكم على عزلها فضلاً عن تصفير صادراتها النفطية…!
فإيران أولاً تتجاور في الجغرافيا مع أكثر من 15 بلداً متنوعاً في نظامه السياسي، غالبيتها ليست على وئام تامّ مع واشنطن حتى تلك التي لديها صداقات تاريخية او روابط سياسية جيدة والتي هي بحاجة ماسّة الى الطاقة الإيرانية لتسري في عروق اقتصادها…!
وإيران ثانياً تتحرّك في زمن لم يعُد اعتباره بالتأكيد زمن تحقيق الانتصارات الخاطفة على المستضعَفين أيّ زمن اضرب واهرب، بل العكس تماماً، هو زمن تضاعفت فيه القدرات الشعبية على تحقيق الانتصارات العظيمة ما يجبر أعداءها على تجرّع السمّ الكأس بعد الأخرى وبسرعة زمن قياسية…!
نقول هذا الكلام والأخبار المتواترة تؤكد ما يلي:
1 – ليس في نية أيّ من جيران إيران المشاركة في تنفيذ القرار الأميركي العدواني لا تركيا ولا العراق ولا الكويت ولا قطر ولا أفغانستان ولا الباكستان ولا الدول المتشاطئة معها في بحر قزوين وفي مقدّمها روسيا، بل العكس تماماً لأنّ هذه الدول لن تطلق النار على قدميها من أجل إرضاء أميركا حتى لو كانت صديقة لها…!
2 – الدولتان الوحيدتان اللتان أعلنتا نيتهما بالمشاركة في العدوان الأميركي الاقتصادي على إيران وهما السعودية والإمارات هما اللتان ستثبت الجغرافيا كما أثبت التاريخ من قبل أنهما ليستا فقط هما المحاصرتان من قبل إيران، بل إنهما اللتان ستمنعان من تصدير نفطهما إلى العالم إن لم تصبحا في مرمى العزل التامّ إذا أصرّتا على المشاركة في العدوان وذلك من خلال إغلاق مضيق هرمز في وجه ناقلات نفطهما…!
3 – ثم مَن قال بوجود قدرة عملية حقيقية للرياض وابوظبي على سدّ النقص الذي سيحصل من فقدان النفط الإيراني في الأسواق العالمية!؟
لا قدراتهما الجوفية تسمح ولا إمكاناتهما الاستخراجية ولا نوع نفطهما بالضرورة، ولا تقديم النوعية التي اعتاد على تسلّمها المستهلك الدولي لتتناسب مع نوعية مصافي النفط عنده…!
هذا بالحسابات العينية المباشرة، وأما إذا أردنا ان نذهب بعيداً فإنه يكفي أن نبحر باتجاه الجهات الكونية الأربع لنكتشف أنّ تململاً أوروبياً يابانياً كورياً هندياً من هذا السلوك الأميركي الأحادي الذي يضرّ بالمصالح القومية العليا لهذه الدول فضلاً عن رفض روسي صيني قاطع…!
ثم مَن قال إنّ أميركا قادرة أصلاً على تطبيق قرارها الظالم عملياً وميدانياً. وهي التي تعجز عن التحرك السلس والمرن في محيط الحيّز الحيوي الإيراني الاستراتيجي الذي يمنح إيران اليد العليا المشرفة على أي تحرّك أميركي خارج رقابة وسيطرة العين الإيرانية الأمنية…!
كلّ هذا ولم نقترب بعد من العصا الإيرانية الغليظة التي إذا اضطرت القيادة الإيرانية لتحريكها فإنّ ذلك سيعني تعطيل كلّ حركة الأساطيل الأميركية التجارية والعسكرية من هرمز الى باب المندب وبالعكس…!
ولنأخذ بأسوأ الاحتمالات كما يقول أهل كتابة تقدير الموقف، فنقول: وماذا لو أُجبرت إيران بوقف صادراتها النفطية تماماً وهو أمر محال، ولكن فرض المحال ليس محالاً كما يُقال…!؟
الذين يعرفون إيران جيداً يؤكدون أنّ لدى إيران احتياطياً مالياً واحتياط طاقة واحتياط غذاء وزاد عليها الله من نعمه هذه السنة احتياط ماء واحتياط صبر ومقاومة ما يكفيها لفترات طويلة سيجعل الأميركان وأذنابهم في المنطقة يتوسّلون إليها لإعادة فتح أبواب عرينها لمساعدة جنود اليانكي الأميركي وجيران إيران الجنوبيين الذين سيُضطرون لشرب النفط والغاز الذي سيتكدّس في آبارهم وحقولهم…!
كلّ هذا ولم تبدأ إيران حربها الدفاعية بعد والتي قد تمتدّ من سواحل شرق المتوسط وصولاً إلى جبل طارق وما بعد بعد جبل طارق وصولاً إلى المحيط الاطلسي…!
ولمن لا يعرف إيران، فإيران دولة قارية بكلّ ما تعني القارة، ففيها كلّ ما تختزنه الطبيعة من إمكانات حيوية وفيها من البشر والعقول والقدرات المكتسبة التي تمّ تخزينها خلال العقود الأربعة الماضية ما يكفي ليس فقط لمقاومة كلّ أشكال الحصار كما أثبتت حتى الآن، بل ولمحاربة أيّ عدوان كوني جديد قد يفكر من نصّب نفسه شرطياً «أزعر» للعالم، ودحره بأسرع مما يتصوّره الكاوبوي المتهوّر، وصولاً إلى إجباره لتفكيك قاعدته الأهمّ والأكبر في العالم وهي الكيان «الإسرائيلي» الجاثم على اليابسة الفلسطينية…!
من هنا نعتقد بأنّ المستر ترامب وعصاه المتصدّعة بومبيو ليسا سوى قنابل صوتية تحاول التأثير على حركة حلف المقاومة الذي يتقدّم بخطى ثابتة نحو فلسطين بهدف وقف نفوذه المتنامي والمتسارع على أكثر من ساحة وفي أكثر من محور، كما أسرّ بومبيو لأتباعه الذين التقاهم في بيروت خلال زيارته التفقدية لبقايا بقاياهم…!
ثم أليست هي الولايات المتحده نفسها التي استدركت القرار الخاص باعتبار الحرس الثوري منظمة إرهابية من خلال إصدار سلسلة من الاستثناءات، لدول وهيئات ومؤسسات دولية، قالت إنها ستُعفيها من العقوبات في حال تعاملت مع الحرس الثوري الإيراني…!؟
كلّ هذا تعرفه أميركا جيداً، لأنّ إيران لم تعد مجرد دولة ثورية محدودة بحدود جغرافية معينة، بل نهج جديد عالمي بدأ ينتشر في كلّ مكان وهو يتمرّد يومياً وفي كلّ لحظة وفي أكثر من مكان على السلوك الأميركي البشع والمتوحّش واللا عقلاني تماماً…!
لذلك ولغيره الكثير مما ستكشفه الأيام للصديق كما للعدو ثقوا بأنّ إيران في أمن وأمان وأن لا أحد مطلقاً يقدر على محاصرتها فضلاً عن عزلها أو تصفير صادراتها النفطية.
بل إنّ الأميركي هو مَن سيصبح المحاصر براً وبحراً من النهج الثوري الجديد. وهو الذي ينبغي عليه قريباً البحث عن خريطة طريق آمنة وسالكة لمغادرة بلادنا وبحارنا وسمائنا قبل أن نضطر لإخراجه ركلاً وتحت وقع صواريخ الكرار وتحت جنح الظلام كما فعل به أبناء العراق الغيارى في العام 2011…!
انظر لساعتك من جديد أيها اليانكي
فالزمن لم يعد زمنك أبداً
وانتبه لتصريحاتك جيداً
فلكلّ كلام تاريخ وجغرافيا معينان، خاصة وأنت في بلاد ما بين النهرين وشام الحوراء اللتين جعلتاك تتجرّع كؤوس السمّ أكثر من مرة في زمن قياسي ولم تتحرّك بعد يمن الحكمة والسلطان…!
كلامك حول إيران ممنوع من الصرف في زمن الانتصارات.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/04/24