لا تغيير في نهج ترامب أميركا أولاً... والانسحاب سيّد الموقف!
محمد صادق الحسيني
إنّ أيّ تحليل عميق لنهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومنذ أن بدأ حملته الانتخابية التي أوصلته الى البيت الابيض، لا يمكن إلا أن يؤكد عدم ميله ترامب الى إنشاء ادارة أميركية قوية، كتلك الإدارات الأميركية السابقة والمتماسكة والتي كانت تعمل كمحرك، تنسجم جميع مكوناته، في إنجاز عمل متكامل، عبر نسق من الآليات، خدمة لمصلحة الامن القومي الأميركي في العالم، بل إنّ ما يصبو اليه هو تحقيق رؤية ترامب لمصلحة الامن القومي الأميركي والمعروفة للجميع.
إنها باختصار شديد:
1. التركيز على الوضع الداخلي الأميركي، وإعادة إحياء الاقتصاد والبنى التحتية المتهالكة، في الولايات المتحدة.
2. إعادة التركيز على ضرورة العودة الى مبدأ الرأسمالية المنتجة الصناعية والحدّ من تغوُل رأسمالية المضاربات أسواق البورصات التي يسيطر عليها اليهود .
3. تخفيض الإنفاق العام للدولة وذلك لتوفير الأموال اللازمة للاستثمارات الضرورية للنهوض بالاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة إلى جانب تحسين قدرات الولايات المتحدة التنافسية في الأسواق الدولية، لضمان فرص أفضل لمواجهة الصين على الصعيد الاقتصادي والتجاري، حالياً ومستقبلاً.
من هنا قام الرئيس ترامب بالتخلي عن كلّ من عارض توجهاته الشخصية، لتحقيق رؤية ترامب المشار اليها أعلاه، منذ وصل البيت الأبيض حتى الآن. وكان آخر من طرد من المركب هو مستشار الأمن القومي لترامب، جون بولتون، أحد أكثر المحافظين الجدد تطرفاً والصديق اللصيق لنتنياهو، وداعية الحرب ضدّ إيران وروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا وكلّ من يعارض توجهاته العدوانية الخطيرة، والتي يمثلها تيار بعينه في الولايات المتحدة الأميركية.
انطلاقاً من انّ إدارة ترامب ليست إدارة أميركية كلاسيكية ذات استراتيجية واضحة، وبالتالي تعتمد في تنفيذها على أدوات محدّدة، فإننا نرى انّ الرئيس ترامب قد أعطى كلّ واحد من مراكز القوى في الولايات المتحدة ما يريد تقريباً.
فهو أعطى سماسرة الحروب والدولة العميقة، بما فيها البنتاغون، دعاة الحرب بولتون وبومبيو. كما أعطى اللوبيات اليهودية، في الولايات المتحدة، كلّ ما طلبه نتنياهو، من صفقة القرن الى كلّ الأدوار التفضيلية في كلّ المجالات.
ولكنه في الوقت نفسه انتظر موسم الحصاد. فإذا به موسماً لم ينتج شيئاً، حيث إنّ جميع مشاريع الحروب، التي كان يديرها دعاة الحرب، قد فشلت تماماً. لم تسقط الدولة السورية ولم يتمّ القضاء على حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة وهزم مشروع داعش، في العراق وسورية وبمساعدة إيران قبل أيّ كان. كما هزم المشروع السعودي في اليمن على الرغم من مرور خمس سنوات على أكثر حروب البشرية وحشية وإجراماً، مورست ضدّ شعب أعزل ومسالم ودون أيّ مسوغ.
اما أمّ الهزائم فهي هزيمة دعاة الحرب في المواجهة الدائرة مع إيران، سواء على الصعيد الاقتصادي او على الصعيد العسكري، بعد إسقاط طائرة التجسّس الأميركية العملاقة وعدم قيام الرئيس الأميركي بالردّ على إسقاطها، ما جعل جون بولتون يلجأ الى مؤامرة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية، بالتعاون مع بعض غلاة الساسة في واشنطن ولندن، على أمل ان يتمكن هؤلاء من توريط الرئيس الأميركي في حرب مع إيران.
اما في ما يتعلق بشريك بولتون في التآمر والكذب، نتنياهو، فلم تكن نتائج مؤامراتة وألاعيبة ومسرحياته أفضل حظاً من ممارسات بولتون. نفذ اعتداءات جوية على سورية ولبنان والعراق وأخذ كلّ ما أراد من الرئيس الأميركي. صفقة القرن، بما فيها من نقل السفارة الأميركية الى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة لـ»إسرائيل» وصولاً الى الاعتراف بسيادتها على الجولان.
ولكن الرئيس الأميركي تيقن من انّ نتيجة كلّ ذلك هو صفر. حيث أَمر نتنياهو، بصفته وزيراً للحرب، جيشه بترك الحدود مع لبنان والانسحاب مسافة سبعة كيلومترات الى الخلف. أيّ انّ جيشه ليس قادراً حتى على حماية نفسه من هجمات محدودة من قوات حزب الله.
فماذا كان قرار ترامب على ضوء كل هذه الحقائق؟
أ وقف الاتصالات الهاتفية مع نتنياهو، على الرغم من مواصلة الأخير استجداء ذلك، منذ اكثر من أسبوعين.
ب إعلان الرئيس الأميركي أنه سيبدأ مفاوضات سرية، مع أنصار الله اليمنيين، في عُمان.
ج تأكيده عشرات المرات على رغبته في التفاوض مع إيران وتعيينه الجنرال مارك إِسبر وزيراً للدفاع والذي أعلن في تصريح تلفزيوني أنه لا يريد حرباً مع إيران وإنما يريد الوصول الى حلّ دبلوماسي للخلاف.
د طرده لجون بولتون من البيت الأبيض ووضعه لمايك بومبيو على لائحة الانتظار، والذي لن يطول انتظاره اكثر من ثلاثة أشهر. ربما حتى نهاية شهر تشرين الثاني المقبل 11 / 2019 .
وهذا يعني أنّ ترامب قد قرّر العودة الى التركيز على شعارات حملته الانتخابية الاولى، بدءاً بما ذكر أعلاه اقتصادياً ومالياً ووصولاً الى:
الانسحاب العسكري الشامل، من كلّ «الشرق الأوسط» وليس فقط من افغانستان وسورية، وما يعنيه ذلك من تخلٍ كامل عن «إسرائيل» في اللحظة المناسبة… من الناحية العملية، وربما من مناطق عديدة أخرى في العالم وذلك خفضاً للنفقات العسكرية الأميركية تملك واشنطن اكثر من ألف قاعدة عسكرية خارج الولايات المتحدة .
الاستعداد لتحسين العلاقات الأميركية الروسية ومحاولة منع قيام تحالف أو حلف عسكري روسي مع الصين، ربما تنضم إليه دول اخرى.
إيجاد صيغة ما للتفاوض مع إيران وتطبيع العلاقات معها، وما يعنيه ذلك من تخلّ فعلي عن أدوات واشنطن الخليجية وسقوط لهم لاحقاً، ونعني بالتحديد ابن سلمان وابن زايد.
اذ انهم، كما نتن ياهو، فشلوا في تحقيق أيّ نجاح في المهمات التي أوكلت اليهم في طول «الشرق الاوسط» وعرضه، الأمر الذي جعلهم عبئاً لا طائل من حمله.
ولكن ترامب، رجل المال والصفقات، لن يترك ابن سلمان وابن زايد ينجون بجلودهم ويذهبون في حال سبيلهم، دون أن يعصر منهم المزيد من الاموال. اذ انه، ومن خلال الخبراء الأميركيين المختصين، يعمل على الاستيلاء على عملاق النفط العالمي، شركة أرامكو للبترول، وذلك من خلال طرحها للاكتتاب الخصخصة في بورصة نيويورك ومنع طرحها في بورصة طوكيو.
كما أنّ احتياطي النفط الهائل في محافظة الجوف اليمنية، الذي يزيد على كل احتياطيات النفط السعودية، هو السبب الرئيسي وراء رغبة ترامب عقد محادثات سرية مع أنصار الله، بهدف انهاء الحرب. فهو في حقيقة الأمر يريد التفاوض مع ممثلي الشعب اليمني ليس حفاظاً على أرواح اليمنيين وإنما من اجل ضمان إعطاء حقوق استثمار حقول النفط الموجودة في محافظة الجوف لشركات أميركية واستبعاد الشركات الروسية والصينية وحتى البريطانية من هذا المجال.
بعدنا طيبين، قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/09/14