العدوان التركي بغطاء أميركي غربي هل يدفع «قسد» للعودة إلى حضن الدولة السورية؟
حسن حردان
السؤال الراهن والملحّ، بعد قرار الرئيس الأميركي سحب جنوده من مناطق الحدود بين سورية وتركيا في إطار صفقة مع نظيره التركي رجب أردوغان مكّنت الأخير من تنفيذ عدوان جديد على الأراضي السورية. هو، هل تصحو قيادة قسد وبعض الاحزاب الكردية، التي راهنت على الدعم الأميركي لإنشاء فدرالية كردية في شمال شرق سورية، وتدخل في حوار سريع مع الحكومة السورية، ويصل الحوار، هذه المرة، إلى النتيجة الإيجابية، التي يتوخاها جميع العرب والكرد السوريين، وهي نتيجة تبدأ بالموافقة على انتشار الجيش السوري في كامل مناطق شمال شرق سورية وصولاً إلى الحدود مع تركيا، وبالتالي قطع الطريق على عملية أردوغان العسكرية وأهدافها في داخل الأراضي السورية؟
الظروف الجديدة التي جاء فيها قرار ترامب ترجح هذا الاحتمال، لأنها تضع قيادة قسد أمام خيارات محدودة لا تتيح لها الاستمرار في المماطلة واللعب على التناقضات وكسب الوقت.. هذه الظروف تتجسّد بالآتي:
اولاً: اتفاق أميركي تركي على تسهيل عملية عسكرية تركية لاحتلال أجزاء من الأراضي السورية بعمق يصل من 30 إلى 40 كلم على طوال 500 كلم من الحدود.. بهدف إقامة منطقة أمنية فيها بحجة درء الخطر الذي يشكله وجود قوات قسد على أمن واستقرار ووحدة تركيا.. لأنه لو كان فعلاً هذا هو الهدف الوحيد للهجوم التركي المنتظر. لكانت أنقرة اتصلت بدمشق واتفقت معها على تفعيل اتفاق أضنة الذي خرقته الحكومة التركية. وتمّ نشر القوات السورية على طول الحدود مع تركيا.. لكن وراء الأكمة ما وراءها.. فأردوغان لديه أطماع في سورية ويريد ان يجعل من المنطقة الأمنية مكاناً لإسكان النازحين السوريين في تركيا، وتمكين الجماعات الإرهابية التابعة لتركيا من إحكام سيطرتها في المنطقة لفرض أمر واقع ومفاوضة الدولة السورية عليه بغرض محاولة انتزاع مكاسب سياسية لمصلحة هذه الجماعات الإرهابية.
ثانيا: انّ القرار الأميركي هذه المرة لا يعتريه ايّ التباس لناحية التخلي عن قوات قسد وتركها تواجه مصيرها، على غرار الموقف الأميركي بالتخلي عن دعم الإرهابيين التابعين لواشنطن في جنوب سورية عشية بدء عملية الجيش السوري لتحرير المنطقة من هؤلاء الإرهابيين. هذا القرار الواضح بالتخلي عن قسد، أقرنه ترامب بتذكير معارضي القرار في واشنطن، بالعلاقة الاستراتيجية التي تربط تركيا بالولايات المتحدة وبحلف شمال الأطلسي الذي أعلن بدوره دعمه لموقف تركيا تحت عنوان حماية أمنها من هجمات إرهابية. وهذا يعني رسالة واضحة تؤكد على أولوية العلاقة الأميركية الغربية التركية على العلاقة الأميركية الغربية مع الاحزاب الكردية.. وانّ أميركا كانت تكذب عليهم عندما زيّنت لهم أنها لن تتخلى عنهم وستحميهم من ايّ هجوم تركي ولن تتركهم في منتصف الطريق.. وتبيّن انّ كلّ التطمينات التي كانت تقدّمها واشنطن لقوات قسد مجرد خديعة لاستخدامهم في خدمة مخططاتها، وعندما وصلت أميركا الى الفشل في تحقيق هذه المخططات في سورية ووجدت انّ مصلحتها بالتخلي عن قسد سارعت الى تغليب مصالحها الاستراتيجية الهامة مع تركيا على مصلحتها مع الأحزاب الكردية.. وهذا ما تجسّد في قرار الانسحاب من ناحية.. والعمل على توظيفه لمصلحة إعادة الدفء إلى مياه العلاقة مع تركيا من ناحية ثانية، والسعي الي توتير العلاقات بين تركيا وكلّ من روسيا وإيران من خلال إعطاء الضوء الأخضر إلى أردوغان للقيام باجتياح المناطق السورية المحاذية للحدود مع تركيا من ناحية ثالثة.
ثالثاً: انّ قرار ترامب بالانسحاب اتخذ، بعد أن أدركت إدارة ترامب انّ البقاء في سورية لم يعد مفيداً، لأنّ الهدف الأساسي من الحرب الإرهابية قد فشل، وأنّ قرار واشنطن منع التواصل براً بين دمشق وبغداد وطهران قد كسر، بعد فتح معبر البوكمال ـ القائم. في حين انّ عدم الانسحاب الآن سوف يعرّض القوات الأميركية في المستقبل القريب الى هجمات المقاومة السورية باعتبارها قوات احتلال ما يجعلها، إما تضطر للخروج مهزومة من دون الحفاظ على ماء الوجه، لأنّ الخيار الآخر ان تبقى وتتورّط في حرب جديدة تدخلها في مستنقع من الاستنزاف لا تريد الانزلاق اليه.. وإما تسارع الآن الى الانسحاب بما يحفظ ماء وجهها تحت عنوان أنها أنجزت المهمة الكاذبة في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي الذي صنعته واشنطن ليكون أداتها في تنفيذ مخططها الاستعماري في سورية والعراق.
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ هذه التطورات الجديدة لم تعد تترك هامشاً للمناورة لدى قيادة قسد التي عليها ان تعيد النظر في رهاناتها وأوهام الاستناد إلى دعم القوى الاستعمارية الغربية بقيادة أميركا التي وظفت الأحزاب الكردية في خدمة مخططاتها وعندما وجدت انّ مصلحتها ان تتخلى عنهم وتبيعه لأردوغان فإنها لم تتوانَ عن ذلك، وها هي تعقد صفقة مع أردوغان على حسابهم، تماماً كما حصل أيام شاه إيران عام 1975 وفي استفتاء شمال العراق عام 2017 وفي عفرين عشية اجتياح القوات التركية للمدينة.
إنّ ذلك يستدعي من الاحزاب الكردية ان تصحو وتستفيق من أوهامها.. فمن يتمسّك بالرهان على المستعمر الأميركي الغربي لن يحصد سوى الخيبة والذلّ والمهانة.. والوقوع في فخ هذا المستعمر، ودفع ثمن خيانته لوطنه وشعبه.. فهل تتعظ قيادة قسد من ذلك؟ وهل يدفع بدء العدوان التركي على شرق الفرات، بغطاء أميركي غربي، الاحزاب الكردية إلى تصحيح مسارها وتعود الى حضن الدولة السورية فتعيد ترميم علاقاتها معها وتكفّ عن التمسك بمشاريع غير واقعية لإقامة فدرالية كردية لا تتلاءم مع الواقع الديمغرافي في الجزيرة السورية المكونة من نسيج سكاني اجتماعي متنوّع رابطه وحدة الشعب والأرض تحت سيادة الدولة الوطنية. فالوقت بات داهماً وليس من سبيل لصدّ العدوان التركي وإحباط أهدافه، وتجنيب الجزيرة السورية المخاطر والدمار وتهجير أبنائها، سوى المسارعة الى الطلب من الجيش السوري الدخول إلى شرق الفرات والانتشار على الحدود مع تركيا.. عندها فقط تسقط اطماع أردوغان ويتمّ إحباط مخططاته…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/10/10