أسئلة لمن يريد قيادة الأمة
علي محمد فخرو
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن ترشيح هذا القطر العربي أو ذاك، في المشرق أو في المغرب، لقيادة الأمة العربية وإخراجها من حالة التمزق والضياع الذي تعيشه حاليا. لكن أسباب ذلك الترشيح هي إما وهمية وإما انتهازية ظرفية. ذلك أن الحديث في موجبات ذلك الترشيح، يتجنب الخوض في طبيعة وأسس ومنهجية المشروع القومي، الذي سيلتزم بحمله والنضال من أجله ذلك القطر العربي، الذي سيتنطع لقيادة الأمة. وعلى ذلك القطر أن يجيب على تساؤلات أساسيه بشأن مشروعه، المشروع الذي يريده أن يكون مشروعا للأمة كلها.
في السياسة: هل سيكون قوميا تضامنيا في السَراء والضراء، لينتهي شيئا فشيئا ليكون شكلا من أشكال الوحدة العربية الشاملة؟ أم أنه سيكون فقط طريقا لهيمنة ذلك القطر القائد ومصالح نظام حكمه، بل قد يكون لخدمة مصالح قوى استعمارية وصهيونية خارجية؟ وهل هو على استعداد ليتحمل تبعات التحاقه النضالي الصادق بتطلعات ومطالب جماهير الشعوب العربية، ونضالاتها من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، والاستقلال القومي، والانتقال إلى نظام ديمقراطي سياسي عادل؟ إن ذلك سيعني اصطدامه المباشر مع بعض قوى الخارج وقوى الداخل العربية، حيث التعايش مع الكلمات الرنانه الكاذبة، والرفض التام للفعل الذي يغير الواقع بصورة جذرية. وهو متناقض كليا مع أي نظام ديكتاتوري، ومع أي طموحات سياسية انتهازية لهذا الفرد الحاكم أو ذاك، ومع أي تعايش مع المشروع الصهيوني في أرض العرب.
من يريد أن يتنطع لحمل المسؤولية القيادية التاريخية لتحريك الأمة العربية يحتاج إلى أن يعرف أنه تجاه مشروع نهضوي عربي شامل
في الاقتصاد: ما هي الأسس والأنظمة التي ينطلق منها المشروع الاقتصادي المقترح؟ هل هو مشروع إنتاجي ومعرفي وخدمي واعد وحقيقي؟ أم إنه يُخفي وراء قناع البهرجة الوضع الاقتصادي العربي السابق نفسه، الاقتصاد الريعي، القائم على التوزيع الزبوني الولائي، التابع للنظام الرأسمالي النيوليبرالي العولمي المتوحش والرافض لتوزيع الثروة العادل، المرتبط بالحقوق والكفاءة والتضامن الإنساني؟ هل سيأخذ بعين الاعتبار ظروف الفقراء والمهمشين، ويحمل الدولة العربية المنشودة مسؤولية الرعاية الاجتماعية، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، وتقليص الفروقات بين الغنى الفاحش والفقر المدقع، وتنظيم حركة الأسواق ومنع شططها، ووضع هدف العدالة الاجتماعية فوق كل هدف اقتصادي واجتماعي؟
في الاجتماع: هل سيرفض بصورة قاطعة الانقسامات الطائفية المذهبية والدينية، والصراعات القبلية، والامتيازات العشائرية والعائلية والعسكرية، ويجعل المواطنة وحكم القانون الشرعي الإنساني والفرص المتساوية هي الحكم في ما بين الناس؟ هل سيساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات المجتمعية بصورة شاملة؟
في الثقافة: هل سيشجع ويدعم مشروع تحليل ونقد وإعادة تركيب التاريخ والتراث، وذلك من أجل التجاوز نحو حداثة عربية ذاتية، تراعي وتنطلق من ثقافة المجتمع العربي، ولكن تتفاعل بصورة منفتحة ندية مع ثقافات الآخرين وحضارة العصر، هل ستلتزم بالدفاع عن الحرية المسؤولة الضرورية لتحقيق ذلك الانتقال الثقافي والحضاري؟
من يريد أن يتنطع لحمل المسؤولية القيادية التاريخية لتحريك الأمة كلها، بكل أجزائها وقواها وإمكانياتها الاستراتيجية، يحتاج إلى أن يعرف أنه تجاه مشروع نهضوي عربي شامل. وسواء أكان الراغب في حمل تلك المسؤولية قطرا عربيا واحدا، أم كان كتلة من عدة أقطار، فإن الأمر سيان. عليه أن يدرك ويقبل أن من يريد القيادة ينصهر في أحلام وآمال من يقود ويشقى في سبيلهم. فإذا كان غنيا شارك الأمة في ذلك الغنى بلا منة ولا شروط، وإذا كان قويا وزاخرا بالإمكانيات المادية والمعنوية، وضع كل ذلك تحت تصرف الأمة ولخدمة نهوضها. هذا مشروع لا ينسجم مع من يريد وجاهة القيادة وامتيازاتها، ولكنه يرفض تضحياتها وعذاباتها. لقد جرت محاولة كبيرة رائعة مماثلة لما نقول في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ولكنها تعثرت مع الأسف لأسباب مأساوية واضطراية كثيرة. لقد كانت محاولة لها ما لها وعليها ما عليها. من يريد أن يعاود الكرة عليه أن يدرس، بتمعن وموضوعية والتزام قومي صادق ، تلك التجربة.. إنها مليئة بالدروس والعبر.
في المرة المقبلة يجب أن تقل الأخطاء وتعلوا الإرادة إلى عنان السماء.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2020/05/28