«صخرة» رأس الناقورة وصخور جزر كوك لبنان على حق…!
محمد صادق الحسيني
يؤكد متابعون لملف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الصهيوني بعد يومين أنّ موضوع ما يُعرف بصخرة رأس الناقورة المقابلة للنقطة المسمّاة b1 على الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان عند بلدة الناقورة اللبنانية (نقطة البوليس الانجليزي) لها شأن خاص وربما محوري في المفاوضات…
وهذه الصخرة المحتلة إسرائيلياً (بعدما قام الاحتلال بتكسير وتخريب العلامة التي تثبت نقطة الحدود بين فلسطين ولبنان ونقل أجزاء من هذا الحائط الصخري نحو٢٥ متر شمالاً) والتي يدّعي الكيان الصهيوني بناء على ما تقدّم من فعل احتلالي أنها باتت له باعتبارها أصبحت في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، صار يدّعي الآن بأنها جزيرة ولها منطقة اقتصادية بحرية تابعة له وهو ما ينافي الواقع تماماً.
نقول إنّ هذه الصخرة ستكون محلّ الجدل الأكثر حدة واشتباكاً بين صاحب الحق اللبناني وعدوه الإسرائيلي الذي يستعدّ لممارسة أقصى الضغوط على لبنان من خلال هذا الادّعاء بهدف دفع خط الحدود الى مسافة ما بين ١٦ الى ٥٠ متراً باتجاه الشمال داخل الأراضي اللبنانية بهدف الاستحواذ على مزيد من احتياطات الغاز اللبناني في الحقول الجنوبية وخاصة البلوك رقم ٩…
قد لا يأخذ البعض موضوع الخلاف، حول صخرة رأس الناقورة هذه، التي باتت الآن تحت نير الاحتلال «الإسرائيلي» كثيراً من الانتباه بسبب ظنّ العدو أنّ تقادم التاريخ والتلاعب الذي حصل مع الزمن ربما يفقد قدرة صاحب الحقّ على الإصرار في مطالبته بحقه أو أنّ بإمكانه هو أن يفرض وقائع جديدة على صاحب الحقّ يجعله يتراخى في الدفاع عن الحقوق الثابتة…
ولكن إلقاء نظرة أكثر عمقاً، على التاريخ والجغرافيا في العالم، ستوضح لنا الأهمية الكبرى لكلّ سنتيمتر مربع من مساحة الصخور أو المياه المحيطة بها، سواء في البحر المتوسط أو غيره من بحار ومحيطات العالم.
ولنأخذ مجموعة جزر كوك Cook Islands في جنوب المحيط الهادئ، كي نرى أهمية النظر بدقة متناهية إلى القياسات والمسافات والمساحات، وما يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات، ذات طبيعة اقتصادية وسياسية واستراتيجية عسكرية.
فجزر كوك هذه، التي اكتشفها ونزل وأقام فيها الكابتن البريطاني، جيمس كوك James Cook، سنة ١٧٧٣، وأصبحت منذ ذلك الوقت مستعمرة بريطانية، نقول إنّ تاريخ هذه الجزر ووضعها السياسي والاستراتيجي يجب أن يدقّ ناقوس الخطر للمفاوض اللبناني، حول صخرة رأس الناقورة، وذلك للأسباب التالية:
انّ المساحة الإجمالية لليابسة، في مجموعة الجزر هذه، البالغ عددها ١٥ جزيرة، تبلغ ٢٣٦،٧ كم مربع، ويبلغ عدد سكانها ١٧،٤٥٩ نسمة.
سياسياً هي تتمتع بحكم ذاتي موسع، منذ تاريخ ٤/٨/١٩٦٥ منحتها إياه بريطانيا، ضمن اتحاد مع نيوزيلاندا، التي تقع على بعد حوالي ثلاثة آلاف كيلومتر، الى الجنوب الغربي من هذه الجزر (باتجاه قارة استراليا).
وقد تمّ الاعتراف بها عضواً في الأمم المتحده سنة ١٩٩٢… ويحكمها نظام شبيه بالأنظمة الغربية، برلمان ورئيس وزراء، وهو حالياً السيد مارك براون Mark Brown، الذي أسند لنفسه، حسب موقع «كوك آيلاندس نيوز» الرسمي، 17 وزارة من وزارات الحكومة.
٣) والأهمّ من ذلك أنّ بريطانيا، عندما أعطت هذه الجزر «استقلالها» سنة ١٩٦٥، قد قرّرت ان تعطيها منطقة اقتصادية بحرية خالصة تبلغ مساحتها مليون وتسعمائة وستين الفاً وسبعة وعشرين كيلومتراً مربعاً، وهي مساحة تبلغ ربع مساحات المناطق الاقتصادية البحرية لجمهورية روسيا الاتحادية، التي تبلغ مساحة اليابسة فيها ١٨ مليون كيلومتر مربع (مساحة الجزر ٢٣٦ كيلومتر مربع فقط).
وهذه حقيقة تاريخية واقعية موجودة حتى اليوم، ويتمّ التعامل معها من قبل كلّ دول العالم على أنها أمر واقع حقيقي وقانوني، وهي طبعاً ليست واقعية ولا قانونية، وإنما هي أمر واقع مفروض بالقوة.
والدليل على ذلك يبدو واضحاً في السياسات الاستفزازية الأميركية، التي تمارسها واشنطن ضدّ جمهورية الصين الشعبية، في بحر الصين الجنوبي، والتي كان آخرها إرسال مدمّرة أميركية إلى المياه الإقليمية لمجموعة جزر باراسيل الصينية، في بحر الصين الجنوبي. وهذا يعني، طبعاً انّ واشنطن تنكر سيادة الصين الوطنية على المياه الإقليمية للجزر الصينية، أيّ أنها لا تعترف بمناطق بحرية اقتصادية لهذه الجزر، الأمر الذي يتناقض مع اعترافها بالمناطق الاقتصادية الشاسعة لمجموعة جزر كوك، في جنوب المحيط الهادئ.
علماً انّ الولايات المتحدة كانت قد وقعت اتفاقية ترسيم للحدود البحرية، بينها وبين مجموعة جزر كوك، التي تبعد عن السواحل الاميركية الغربية (كاليفورنيا) تسعة آلاف كيلومتر، وذلك بتاريخ ١١/٦/١٩٨٠، مما جعلهما متشاطئتين، مع ما تضمنته هذه الاتفاقية من حرية حركة للأساطيل الحربية الأميركية، في هذه المناطق الشاسعة من المحيط الهادئ، علاوة على فرص واشنطن وشركاتها المتعددة الجنسيات، في استغلال الثروات الطبيعية في كلّ تلك المساحات البحرية، خاصة ذاك النوع من المعادن الذي يسمّي: المعادن/ العناصر/ النادرة Rare Earth Elements وهي معادن غاية في الأهمية وتستخدم في الصناعات الالكترونية على نطاق واسع، وتفتقر لها الولايات المتحدة وأوروبا، على عكس الصين، التي تعتبر الدولة الأغنى في العالم في احتياطيات هذه المعادن.
إذن لا بدّ من فهم أهمية صخرة الناقورة من هذا المنطلق، ايّ من منطلق أهميتها العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية، ليس الآن فقط، وإنما مستقبلاً أيضاً وفِي ظلّ المؤامرات التي يحيكها الكيان الصهيوني، مع أكثر من دولة من دول حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، التي تطمح الى السيطرة على كلّ سواحل البحر المتوسط وليس فقط على صخرة الناقورة.
كما لا بدّ أن ينطلق المفاوض اللبناني، بعد يومين في ١٤/١٠/٢٠٢٠، من أنّ الدفاع عن صخرة الناقورة هو جزء لا يتحزأ إطلاقاً من معركة الدفاع عن الصخرة المشرفة في القدس المحتلة، وانّ ذلك كله يندرج في معركة الدفاع عن لبنان واستقلاله وسيادته وتجنيبه ويلات ما يسمّى بـ «صفقة القرن» والتطبيع مع «إسرائيل»، تلك الويلات التي لن تقتصر على توطين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين فيه، وإنما هي تتجه الآن الى العمل على تفكيك لبنان الى «وحدات سكنية» أو إلى «مضارب عشائر» متقاتلة وليس تفتيته إلى دويلات متناحرة فقط.
الحيطة والحذر والنظر الى الأفق البعيد هو الذي يحمي لبنان، من التفكك والزوال، لا الخضوع للإغراءات ولا التهديدات، التي لم يقبل بها الشعب اللبناني على مرّ العصور ولن يقبل بها مستقبلاً.
الصخرة الصخرة يا أهلنا في لبنان…!
بعدنا طيّبين قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/10/12