كسيح البيت الأبيض لا قِبَلَ له بإيران وأنصار الله بين الركن والمقام..!
محمد صادق الحسيني
لا شيء في الأفق يوحي بأن ثمة قوة بقيت للمحارب الكسيح في البيت الأبيض أو ثمة شيئاً يمكن أن يتحقق من استعراضاته أو جنونه او حماقة ربيبه نتن ياهو، تجاه إيران…!
فقد باتت أمور كليهما بل ثلاثي صفقة القرن أيّ بمن فيهم محمد بن سلمان توحي بخروجهم الذليل القريب من المسرح السياسي كل على طريقته، وبمعادلة الأرض التي أتقنت كيف تلفظ أثقالها الشريرة…!
ترامب بركلة جزاء خارج البيت الأبيض وربما الى المحاكمة والسجن بسبب 26 قضية مرفوعة ضده…!
ونتن ياهو الى السجن او الى الآخرة بسبب تزايد حنق رهطه ضدّه وتكاثر ملفات الفساد والرشى، وإبن سلمان بسبب جرائم الحرب التي غطته طولاً وعرضاً من قتل المعارضين وتعذيبهم وسجن أمرائهم الى توحّش تحالفه الأرعن ضد اليمن المنصور بالله…!
على صعيد آخر وبينما ذهب آخر ملوك خيبة الكيان الى مدينة نيوم بحثاً عن جبل يعقوب، كما تقول أساطير يمينه المتعفن وهو يبحث عن مصيره بين المال الذي ينضب من بقرة آل سعود والسلطان الذي يخبو ويكشح عن وجه بومبيو الخائب…!
ثمة مَن شاهد الصاروخ اليمني القدس 2 يبيت ليلته في مكة معتمراً، ثم يصلي ركعتي الفجر بين الركن والمقام قبل ان يتوجه لضرب أرامكو جدة متمّماً البيعة لأنصار الله وأنصار سيد شهداء محور المقاومة…!
ولكن لماذا لم يكن بمقدور كسيح البيت الأبيض أصلاً ضرب إيران حتى لو امتلك أسراباً من القاذفات والقنابل الاستراتيجية!؟
تقول الأنشودة الفلسطينية الخالدة:
«حين يصيح البروقي ما في عوقي
كلاشينكوفي سابقني يطير من شوقي»…
والبروقي هو الرجل الذي يحمل البيرق في المعركة في العصور السابقة…
وعندما نقتبس هنا هذا المقطع في حديثنا عما تبقى لترامب من حيلة لإظهار نفسه شرطي العالم بالفهلوة والاستعراض الهولويودي… فإننا نقول بأنه وفي حال ارتكاب أيّ قرار أحمق باتجاه إيران ثمة قرار آلي معلن يفيد بانطلاق أمر عمليات قائد أركان قوات حلف المقاومة، والقاضي بتنفيذ المرحلة الأخيرة من الهجوم الاستراتيجي لقوات الحلف، باتجاه تحرير كامل فلسطين المحتلة وليس فقط باتجاه الجليل الأعلى بل وما بعد ما بعد الجليل…!
وحينها فعلاً ترى الميادين كلها تنشد بصوت واحد ولحن واحد:
يا حامل الراية ويا سيّد المقاومة…
كلنا خلف حامل البيرق واللواء…
وحينها فإنّ أجواء كافة دول محور المقاومة، بدءاً بإيران مروراً باليمن والعراق وسورية ولبنان، وصولاً حتى كامل أجواء فلسطين المختلفة ستصبح منطقة حظر طيران، لجميع طائرات القوى المعادية، من أميركية وصهيونيّة وأخرى عميلة تحمل شارات أسلحة جو «عربية»…!
نقول هذا لمن ظنّ او خُدع او ارتعد من قيام المهزوم والمنكسر الكسيح ترامب بإرسال قاذفة قنابل أميركية استراتيجية، من طراز B 52 H، الى قاعدة الظفرة الإماراتيّة، او اذا ما قام بإرسال حتى سرب آخر الى قاعدة دييغو غارسيا، في غرب المحيط الهندي، فإنّ ذلك لن يخيف أحداً في حلف المقاومة إطلاقاً. حيث إنّ مَن يخاف هذه الاستعراضات البهلوانية هم فقط من لا يمتلكون قرار التصدّي للتهديدات الصهيوأميركية وغير جاهزين لهذا التصدي.
فحلف المقاومة يتحرّك في فضاء القرار الصلب والجهوزية العالية، لبدء المرحلة الأخيرة من هجومه الاستراتيجي وتحرير القدس، وهزيمة القاذفات الاستراتيجية الأميركية وغيرها من الطائرات المعادية، المشار اليها اعلاه.
وهذا الوضع ومسرح عمليات الميدان الحالي يشبه تماماً وضع ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حينما نجح ثوار الفيتكونغ وثوار شمال فيتنام، بقيادة الجنرال جياب، في هزيمة قاذفات واشنطن الاستراتيجية، من طراز B 52، وغيرها من أنواع الطائرات الأميركيّة، نهاية عام 1972.
حيث كانت واشنطن قد قرّرت، نتيجة لهزائمها المتلاحقة في جنوب فيتنام، على أيدي ثوار الڤيتكونغ، أن تشنّ حملة جوية تدميريّة، على شمال فيتنام، اسمتها Linebacker ll، بهدف دفعها الى وقف إمدادادتها العسكرية لثوار الجنوب، وذلك بتاريخ 18/12/1972، وقد شارك في هذه الحملة الأميركية 207 قاذفات استراتيجية، من طراز B 52، بالإضافة الى 2000 (الفين) قاذفة قنابل من أنواع مختلفة، والتي ركزت قصفها على العاصمة الفيتناميّة هانوي وميناء هايفونج وغيرها من المناطق، في شمال فيتنام، واستمرت عملية القصف هذه حتى 29/12/1972.
فماذا كانت النتيجة يومها لمن لم يتعظ!؟
انتصار فيتناميّ ساحق، على الجيش الجوي الأميركي السابع (الذي شارك في العملية)، بالإضافة الى القوة الجوية، التابعة او الملحقة بمجموعة حاملة الطائرات في الاسطول السابع الأميركي، التي كانت تسمى آنذاك: قوة التدخل ٧٧ / 77 Navy Task Force / والتي كانت ترابط في غرب المحيط الهادئ، في ذلك الوقت.
وقد اعتبر الخبراء العسكريون هذا الانتصار، الذي استطاع سلاح الجو الفيتنامي، المجهّز بطائرات Mig 21، وسلاح الدفاع الجوي الفيتنامي، الذي كان يعتمد على 36 كتيبة دفاع جوّي، مجهزة بأنظمة صواريخ 2 SAM و S – 75 M Dvina، اعتبر الخبراء يومها ان الانتصار الفيتنامي الجوي لا يقل أهمية عن انتصار الجنرال جياب على الجيوش الفرنسية، في معركة ديان بيان فو سنة 1954، وإرغام القوات الفرنسية على الانسحاب من شمال فيتنام. خاصة أن حملة الدفاع الجوي الفيتنامي الشمالي قد تمكنت من إسقاط ما مجموعه 37 قاذفة أميركية، من طراز B 52، وعشرات القاذفات الأميركية الأخرى، من أنواع مختلفة، مما اضطر البنتاغون الى وقف تلك الحملة الفاشلة بتاريخ 29/12/1972، بعد أن قتل لها ما مجموعه 43 طياراً حربياً ووقوع 49 طياراً آخر في الأسر الفيتنامي.
أما عن أسباب هذا النصر الكبير، فلا بد من التأكيد على انه وبالإضافة الى الدور الفعّال، لأنظمة الدفاع الجوي وطائرات الميغ 21 السوفياتية، فإن الاستعدادادات الفيتنامية، في الشمال، لمواجهة قصف طائرات B 52 كان لها دور أساسي في تحقيق ذلك الانتصار العظيم، حيث كانت قيادة جيش التحرير الشعبي الفيتنامية قد شرعت في تدريب طواقم الدفاع الجوي، على مواجهة وإسقاط هذا النوع من الطائرات العملاقة بالذات، منذ بداية سنة 1968، أي قبل أربع سنوات من بدء الحملة الجوية الأميركية، المشار اليها أعلاه. الأمر الذي أدى الى تَوَفُرْ نوعية أداء عملياتي ميداني، على صعيد الدفاع الجوي وعمليات الاعتراض الجويّ بالمقاتلات، وهو الأمر الذي لا زال يُذهل خبراء الحروب الجويّة حتى يومنا هذا.
إنها حرب إرادات لا مناص من أنّ اليد العليا فيها لمن يملك الإرادة الأقوى.
وبالعودة الى إرسال ترامب لواحدة من هذه القاذفات الاستراتيجية، من طراز B 52 H، الى قاعدة الظفرة الإماراتيّة، وما سبقها من قاذفات كانت قد أرسلت الى قواعد أخرى، والتي كان آخرها إرسال أربع قاذفات، من هذا الطراز، الى قاعدة غوام الجوية، غرب المحيط الهادئ، قبل حوالي الثلاثة أشهر، نقول إنه وبعد هذه الخطوات لا بد من الإشارة الى ما يلي:
1 ـ إن أي عدوان أميركي، مفترض، ضدّ إيران ومحور المقاومة، لا يستدعي نشر هذا النوع من القاذفات الاستراتيجية على بعد أمتار من منصات الصواريخ الإيرانية، خاصة أن هذه القاذفات قادرة على القيام بمهماتها القتالية انطلاقاً من قواعدها في الولايات المتحدة، كما أن بإمكانها ضرب الأهداف عن بُعد يزيد على الألف كيلومتر. الأمر الذي يعني انتفاء ضرورة وجودها قريبة من الأهداف المعادية، وذلك لأنها، عادةً، لا تكلف بتنفيذ عمليات قصف جوّي الا بعد عمليات قصف تمهيدي، تقوم به القاذفات الأميركية الأصغر حجماً، لأسباب عسكريةٍ تكتيكية، تتعلق بطبيعة المهمات التي تكلف بها قاذفات B 52، التي عادةً ما تكون ضرب أهداف استراتيجية للعدو.
كما يحب التذكير أن لدى الولايات المتحدة قاذفات استراتيجية أخرى، أصغر حجماً من B 52، ولكنها قادرة على حمل القنابل والصواريخ التي تحملها B 52، مثل القاذفات الشبحيّة F 22 Raptor، والأكثر شبحية في العالم القاذفة الاستراتيجية B-2 وهذه القاذفات موجودة في قاعدة «العديد» القطرية وقاعدة الظفرة وقواعد أخرى في السعودية والكويت.
2 ـ من هنا فإن الغرض من إرسال ترامب لهذه القاذفة الى الإمارات، وبهذا الأسلوب الاستعراضي، المترافق مع حملة إعلامية واسعة، اقرب الى إيماءات التهديد منها الى حشد عسكري جديّ، انما هو عمل استعراضي مستنبط من برامج ترامب التلفزيونية السابقة. وهو يهدف من وراء ذلك الى التغطية على هزيمته الانتخابية، التي حوّلها هو نفسه الى فضيحة، ومحاولة الإيحاء بأنه لا زال قوياً وقادراً على اتخاذ قرارات مهمة وانه يواصل تصدّيه لـ «التهديد» الإيراني، ما يشبه دعوةً لجمهوره لانتخابه في انتخابات عام 2024.
3 ـ لكن ذلك لا يعني إطلاقاً عدم وجود خطط أميركية، لمهاجمة أهداف استراتيجية مهمة في إيران، مثل المفاعلات النووية المحصنة في أعماق الجبال ومدن الصواريخ المقامة تحت الجبال المحصّنة تحصيناً شديداً، والتي يستحيل ضربها وإصابتها من قبل قاذفات القنابل وصواريخها التقليدية، كتلك التي تمتلكها «إسرائيل».
فطبقاً لما نشرته مجلة ميليتاري ووتش Miliary Watch الأميركية، بتاريخ 19/5/2019، فإن الولايات المتحدة قد نشرت اربع قاذفات استراتيجية، من طراز B – 52 H، في «الشرق الاوسط» خلال شهر أيار 2018، وهي قاذفات معدلة تستطيع حمل وإطلاق قنابل أعماق، تسمى GBU – 57، يبلغ وزن الواحدة منها 15 طناً، في ما يبلغ وزن الرأس المتفجر 2400 كغم، وقادرة على اختراق تحصينات تحت الأرض حتى عمق 61 متراً.
4 ـ وتضيف المجلة، في المقال نفسه، أن مشاركة الولايات المتحدة، في اي حرب ضد إيران هي اساس نجاح هذه الحرب، وذلك لأن أياً من الدول الحليفة لواشنطن، في «الشرق الاوسط»، لا تملك هذه القنابل (GBU)، مما يجعل إمكانية تدمير أهداف إيرانية استراتيجية، من دون استخدام هذا السلاح، معدومة تماماً.
ولكن المجلة الأميركية تقول، في مقال نشرته بتاريخ 9/5/2019، إن تنفيذ قاذفات القنابل الأميركية B 52، لمهمات القصف الجويّ، لن يكون سهلاً ولا مضموناً اذا ما اضطرت القاذفات الى دخول الأجواء الإيرانية، وذلك بسبب امتلاك إيران لمنظومات الدفاع الجوي الروسية، من طراز S 300 PMU – 2‘S، ومداها 250 كم، إضافة الى منظومة فكور /90 / Fakour 90 / الإيرانية الصنع، وهي صواريخ جو جو تطلق من طائرات توم كات Tomcat، التي يملكها سلاح الجو الإيراني، ويبلغ مدى هذه الصواريخ 300 كم. لذلك فان سلاح الجو الأميركي، حسب المجلة الأميركية، قد نشر طائرات F 15 C وطائرات F 18 Hornet، في قواعده في «الشرق الاوسط»، لمنع طائرات توم كات الإيرانية من التقرب من القاذفات الاستراتيجية B 52 واستهدافها بصواريخ جو جو.
(طبعاً كل ذلك اذا ما افترضنا أن الولايات المتحدة ستتخذ قراراً بتوجيه ضربات جوية، من هذا النوع وبهذا السلاح المضاد للتحصينات).
وفِي ظل امتلاك إيران أسلحة دفاع جوي لم تذكرها المجلة الأميركية، علاوةً على امكانيات الحرب الالكترونية/ اعتراض الاتصالات والتشويش /، التي تمتلكها إيران، والتي قد تكون قادرة على اعتراض أية قنابل أو صواريخ موجّهة، يمكن ان تنجح القاذفات الأميركيه في إطلاقها عن بُعد، فإن احتمالات قيام الولايات المتحدة باتخاذ قرار كهذا تبدو أكثر من بعيدة. خاصة أنّ الامكانيات الإيرانية، الالكترونية والصاروخية قادرة على تدمير أية قاذفات أميركية قد تنطلق من قواعد في الخليج، مما يجعل موضوع مرابطة قاذفة، أو أكثر، من طراز B 52، في الدول القريبة من إيران أمراً غير ذي جدوى، من الناحية العسكرية، وهو لا يتعدّى الإطار الاستعراضي… كما اسلفنا اعلاه.
5 ـ وفِي تقديرنا فإن أي تحرك عسكري أميركي، وتنفيذ عملية قصف استراتيجي جوّي، بقاذفات B 52، ستكون نتيجته بالضبط كما حصل في فيتنام سنة 1972، حيث ادى الى اضطرار الولايات المتحده الى الدخول في مفاوضات مع حكومة ثوار الفيتكونغ الفيتناميين، في باريس سنة 1973 بقيادة وزير خارجية الولايات المتحده آنذاك، هنري كيسنجر، ومن ثم الى اضطرارها لتوقيع اتفاقية سحب قواتها من جنوب فيتنام، الذي تمّ تحت النيران بداية شهر نيسان 1975، وعليه نقول بأنه وكما كانت هذه هي النتيجة في فيتنام، قبل قرابة نصف قرن، فإن الهزيمة أمام قدرات محور المقاومة، في المنطقة، ستكون أقسى وأكثر عمقاً وتأثيراً وستكون أولى هذه التأثيرات زوال القاعده العسكرية الأميركية في فلسطين عن الوجود، وتحرير فلسطين كاملة وعاصمتها القدس، وإنجاز الجزء الأهم من معارك التحرر الوطني ليس فقط لدول محور المقاومة وإنما لكل دول المنطقة.
الاستراتيجية الفاشلة تقود دائماً الى هزائم استراتيجية. وهذا ما سيحدث مع الولايات المتحدة وأذنابها، إن هم تجرأوا على القيام بأي تحرك عسكري ضد إيران، سواءٌ من خلال حملة قصف جوّي استراتيجي او غير ذلك من أشكال العدوان العسكري.
إنها السنن الكونية الثابتة ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
بعدنا طيّبين قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/11/26