من كابول إلى بغداد مفاوضات الجلاء تحت النار
محمد صادق الحسيني
أصوات عالية بدأت تسمع في واشنطن مفادها بأن بايدن رئيس ضعيف وأنّ إيران تستغلّ ضعفه لإخراجنا من كل من أفغانستان والعراق، كما جاء على لسان السيناتور الجمهوري في الكونغرس الأميركي ليندسي غراهام والذي صرّح بالحرف الواحد:
“الإيرانيون يبذلون جهداً لإخراجنا من العراق وأفغانستان ليسيطروا على هذين البلدين، كما يسعون لصناعة قنبلة نوويّة ويبحثون عن تدمير إسرائيل”.
أضاف: “إنني لم أقلق يوماً كما أقلق الآن من إمكانية نشوب حرب بين إيران وإسرائيل”.
من جهة أخرى، فإنّ كلّ التقارير الميدانية الواردة من أفغانستان والعراق وإنْ بشكل متفاوت ومختلف، تفيد بأنّ واشنطن يتقلص نفوذها هناك وهي في طريقها للرحيل صاغرة أمام تحوّلات البلدين المتسارعة نحو التحرّر من الهيمنة الأميركية.
وهذا قانون من قوانين السنن الكونية بعد خسارة الأميركيين كل معاركهم ضدّ هذين البلدين كما ضدّ شعوب المنطقة.
في المقابل، فإنّ هذا لا يعني سقوط أميركا وهزيمتها الكاملة، والأهمّ إقرارها هي بهذه الحقيقة.
بل إنّ ثمة ما يشي بذهاب واشنطن الى خطط جديدة تقيها دفع الأثمان الباهظة نتيجة هذا الانسحاب بالإكراه ولو مؤقتاً…!
ففي أفغانستان ظلت واشنطن لفترة طويلة تحشد حوالي هذا البلد الإسلامي (جمهوريّات الاتحاد السوفياتيّ السابقة) بمجموعات من المسلّحين الإرهابيين من داعش والقاعدة في مناورة مكشوفة لإشعال حروب اثنية تجعل الاستقرار في هذا البلد الذي يمثل الكوريدور الحيوي شمال – جنوب، صعب المنال ليس فقط للأفغان، بل وأيضاً لإعدائها وتحويل هذا الطريق لكلّ من روسيا وإيران بمثابة حزام ناري يلفّ كلّ الحيّز الحيوي الجيوبوليتيكي لهذين البلدين الصاعدين دولياً الى جانب الصين.
هذا كما لجأت واشنطن مؤخراً الى حارس مرمى الناتو الجنوبي ومخلبها المتقدّم أردوغان لتسليم أمن مطار كابول أولاً ومن ثم المدينة أيضاً (حسب ما جاء في محادثات بايدن وأردوغان في بروكسل أثناء قمة الناتو) ربما في مقدّمة لإحداث قاعدة عسكريّة هناك لهم كما هي الحالة في قطر والصومال (علماً انّ هناك الآن نحو 500 جندي تركي في أفغانستان)، على افتراض ان تتحوّل هذه المعادلة الأمنية الجديدة بمثابة التفاف جديد للناتو حول رقبة كلّ من إيران شرقاً وموسكو جنوباً والصين غرباً…!
في ما يخص العراق تحاول واشنطن أن ترمي بالعراق الجديد الذي تؤكده كلّ حقائق الجغرافيا والتاريخ بمثابة الجار الطبيعي الحليف لإيران، بمثابة حلقة “إبراهيمية” في تحالف “شامي” مزيّف مع كلّ من الأردن ومصر، لترميه في غياهب اللاهوية واللا قرار، غصباً عن أهله وطبيعته الناصعة في الانتماء العربي والإسلامي المقاوم.
ولما كانت تظنّ كما في أفغانستان أنها في طريقها لفقدان نفوذها المباشر وعليها الرحيل في أقرب الآجال فهي تحاول من خلال تعطيل او الإخلال في الانتخابات المقبلة بهدف الإبقاء على بقايا من بقاياها في نسيج السلطة!
إنّ واشنطن تعرف تماماً أنّ موازين القوى العالمية والإقليمية الجديدة تتحدث على أرض الواقع بأنّ وجودها في بحارنا وأراضينا لم يعد مقبولاً، وانّ عليها الرحيل، وهي تحزم حقائبها في إطار دفع هذا الثمن، لكن دفع هذا الثمن بالأقساط وتحت النار، نار الفتن الإثنية والمذهبيّة، وإشغال قوى محور المقاومة وأصدقائنا من الروس والصينيين في معارك جانبية عديدة لمنعهم من ملء الفراغ…!
وقد أتت معركة سيف القدس الأخيرة بمثابة إضافة نوعية مهمة ليس فقط في رفع قدرات محور المقاومة في موازين القوى العالميّة والإقليمية، بل وفي تخفيض وزن العدو “الإسرائيلي” لدى واشنطن أيضاً وليس فقط بالمقارنة مع قوّتنا الصاعدة، ما يجعل واشنطن أكثر حماساً في الرحيل السريع، وأكثر إحجاماً عن الدخول في حروب جديدة منعاً لاستنزاف قواتها في حروب لم تعد مضمونة كما كانت في القرن الماضي…!
ما يجري في لبنان وسورية من ضغوط عالية جداً في مجال التضييق على أهلنا في الغذاء والدواء والمحروقات، ومحاولة وقف عجلة إعادة البناء او التسريع في الانهيارات الاقتصادية، إنما يتمّ بشكل ممنهج ومنظم من قبل عملاء وأدوات أميركا من كارتيلات وحيتان مال وبقايا أمراء حروب، تلعب في الوقت الضائع لصالح سيدها، الى حين تنتهي معركة التفاوض بين إيران وأميركا وروسيا والصين مع أميركا، تحت النار، لا أكثر ولا أقلّ…!
عملية العدوان الغادر على مقار الحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية، بأمر من بايدن شخصياً، جاءت لخدمة السياسة الآنفة الذكر وفي رسالة ردع يائسة لمنع العراق من الالتحاق بمعركة “الحرب الإقليميّة من أجل القدس” القادمة لا محالة.
وفي هذا السياق لا فرق إن تمّ التوافق بين طهران وواشنطن في فيينا أو ذهبت الأمور الى نهاياتها المسدودة وهو الأرجح، وكذلك لا فرق أن تعزّز توافق بوتين وبايدن للحفاظ على التوازن الاستراتيجي الذي تمّ في جنيف مؤخراً، أو عاد الطرفان الى تسعير الحرب الباردة بينهما من جديد، فالأمر سيان.
ففي كلتا الحالتين فإنّ المرحلة الانتقالية هذه ستظلّ سائدة الى حين، وأنّ نهاياتها لا بدّ منتهية بنصر وانفراج كبيرين لمحور المقاومة المنتصر.
والمعسكر المهزوم ليس أمامه سوى عدّ أيامه المتبقية في المنطقة بانتظار ترتيبات المغادرة والانسحاب من دون شك أو ترديد.
إنهم راحلون لأنهم طارئون ونحن الباقون لأننا أصحاب الأرض والحق، والسنن الكونية الواضحة والجازمة تعمل كما يجب، وهي في هذه الحالة لصالحنا وهي التي تقطع بأنّ المنهزم عليه دفع الثمن، وانّ المنتصر هو من يحدّد شروط الهزيمة والإذعان، وليس العكس.
بعدنا طيبين قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2021/07/02