هل خروج بريطانيا من أوروبا يساعد العرب للخروج من محنتهم؟
د. عصام نعمان ..
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤدّي إلى تفكيك وحدتها السياسية وإلى انفصال دول أوروبية أخرى عن جسم الاتحاد. خروجها المدوّي هو أهمّ حدث سياسي واقتصادي في تاريخ أوروبا والغرب بعد الحرب العالمية الثانية. ذلك أنّ أكبر تكتل اقتصادي وتجاري عالمي خسر إلى غير رجعة دولةً كانت الثالثة في ترتيب أعضائه الأقوى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، كما خسر العالم في أسواق المال والأسهم نحو ترليوني دولار في يوم واحد. أنه، بلا مبالغة، حدث العصر.
ثمة خاسرون ورابحون من خروج بريطانيا من أوروبا. أكبر الخاسرين أوروبا نفسها. كانت تتجه، ولو ببطء، لتصبح ثاني أكبر قطب عالمي، اقتصادياً وسياسياً، بعد الولايات المتحدة الأميركية. أكبر الرابحين روسيا التي ستصبح أقوى سياسياً حيال الاتحاد الأوروبي وأكثر اقتداراً على تسويق غازها ونفطها في دوله العطشى إلى كليهما.
الولايات المتحدة هي أبرز الخاسرين عالمياً لمجرّد أنّ روسيا أصبحت أقوى أوروبياً وصار في وسعها أن تكرّس نفسها ثاني أكبر قطب عالمي بعدها. لهذا السبب انحازت واشنطن بقوة، خلال حملة الاستفتاء على خروج بريطانيا أو بقائها في أوروبا، إلى جانب دعاة البقاء.
ألمانيا هي أبرز الخاسرين أوروبياً كونها كبرى أعضاء الاتحاد وقاطرته ومتعهّدة إنقاذ دوله المفلسة، كاليونان مثلاً، من أزماتها المستفحلة. ستزداد من الآن فصاعداً أعباؤها حيال أعضاء الاتحاد المتعثرين اقتصادياً، ناهيك عن الأعضاء الذين يفكرون بمغادرة الاتحاد في المستقبل المنظور.
تطورات سياسية واقتصادية كبرى تنتظر بريطانيا في الداخل كما تنتظر أوروبا والعالم خلال الأشهر الستة المقبلة، فماذا ينتظر العرب من تداعيات الحدث الأوروبي والعالمي، وما تأثيره عليهم في حاضر محنتهم المستفحلة؟
ثمة جوانب ثلاثة لحضور بريطانيا في عالم العرب: اقتصادي وسياسي وعسكري. الجانب الاقتصادي متداخل بعضه مع بُنى الاتحاد الأوروبي كتكتل اقتصادي قارّي وعالمي، وبعضه الآخر مستقلّ عنها كونه من موروثات بريطانيا الامبراطورية الذاوية. الخروج من الاتحاد الأوروبي سيؤثر سلباً على الجانب الاقتصادي المتداخل، لكن بريطانيا ستبقى متعاونة، اقتصادياً وتجارياً، مع الاتحاد رغم خروجها منه. والمرجّح أنّ مجالات المنافسة في عالم العرب لن تكون مؤذية لكِلا الطرفين.
أما الجانب الاقتصادي المستقلّ، خصوصاً ما يتعلق منه بعلاقات بريطانيا مع الدول العربية، فلن يتأثر سلباً بوجه عام.
الجانبان السياسي والعسكري متداخلان، ولن يكون للخروج تأثيرات سلبية على بريطانيا كما على الاتحاد الأوروبي لأنّ معظم دول أوروبا أعضاء في حلف شمالي الأطلسي «الناتو» وموالية لقائدته التاريخية الولايات المتحدة الأميركية. والملاحظ أنّ ثمة تعاوناً بين كبرى دول الاتحاد، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، مع الولايات المتحدة في كلّ ما يخصّ كبريات قضايا المنطقة العربية، ولا سيما ما يتعلّق منها بفلسطين والإرهاب والأمن والتطورات ذات الصلة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والقرن الحالي.
هل بإمكان العرب أن يفيدوا من خروج بريطانيا من أوروبا؟
يقتضي، بادئ الأمر، التذكير بأنّ العرب ليسوا كياناً أو جهة واحدة. أنهم شتات من دول وتحالفات وتنظيمات متنافرة بل متقاتلة، وأن لا مواقف وبالتالي لا سياسات موحّدة لديهم حيال مختلف دول العالم. مع ذلك، يصعب القول إنّ الباب مسدود في هذا المجال لأنّ تطورات سياسية واقتصادية عدّة سوف تتناول بريطانيا كما سائر دول أوروبا في المستقبل المنظور وقد تنشأ عنها ظروف وفرص ممكن الاستفادة منها.
في بريطانيا، قد تتراخى قبضة المحافظين أو تزداد تشدّداً في توجيه سياسة البلاد. المحافظون الأكثر تطرّفاً سيكونون أقلّ تعاطفاً مع قضايا العرب، وخصوصاً ما يتعلق منها بفلسطين. اليساريون، ولا سيما المناهضين منهم للعنصرية والتمييز واللامساواة والقمع، سيكونون أكثر تعاطفاً مع قضايا العرب عموماً وقضية فلسطين خصوصاً.
في أوروبا، قد تُقدم دول أخرى على الخروج من الاتحاد. هولندا تبدو مهيأة أكثر من غيرها لاعتماد هذا الخيار، ولعلّ إيطاليا هي الثانية على الطريق نفسه. إلى ذلك، ثمة دول قد لا تغادر الاتحاد، لكن قوى اليمين المتطرف فيها، كفرنسا مثلاً، ربما تصل إلى السلطة أو تصبح أكثر تأثيراً في صناعة القرار الأمر الذي يؤدّي إلى إجراء تعديلات مؤثرة في مواقفها وسياساتها حيال قضايا العرب. إنّ فوز الجبهة الوطنية اليمينية في الانتخابات الفرنسية المقبلة سيؤدّي إلى اعتماد سياسات أكثر تشدّداً ضدّ هجرة العرب إلى فرنسا وكذلك ضدّ العرب المقيمين فيها ممّن يفتقرون إلى جنسيتها. كذلك سيكون لمعسكر اليمين الفرنسي سياسة مغايرة حيال الإسلام عموماً والإسلام السلفي «الجهادي» المتهم بالإرهاب والعنف الأعمى خصوصاً.
من المبكر معرفة انعكاسات خروج بريطانيا على سياسة ألمانيا حيال قضايا العرب في قابل الأيام. هل ستتجه إلى تعزيز انتمائها إلى حلف «الناتو» فيزداد تعاونها، تالياً، مع الولايات المتحدة أم أنها ستحاول انتهاج سياسة أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة وتعاوناً مع روسيا ما يمكّن بعض العرب، وليس كلهم، من استثمار استقلالها النسبي عن أميركا الأطلسية لدعم قضاياهم؟
ثم هناك ما يجري عند العرب أنفسهم وانعكاساته على علاقاتهم السياسية والاقتصادية مع أصدقائهم وخصومهم. هل تتطوّر أو تنتهي الحرب في كلّ من سورية والعراق وليبيا واليمن على نحو يشجع بريطانيا غير الأوروبية وفرنسا وألمانيا على انتهاج سياسة أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة في المنطقة العربية أم يؤدّي إلى تعزيز انتمائها الأطلسي وبالتالي تعاونها مع الولايات المتحدة، إقليمياً وعالمياً؟
بعض العرب يشعر بالارتياح بل بالشماتة لخروج بريطانيا من أوروبا وأرجحية تفكّكها أو صيرورتها أضعف وأقلّ نفوذاً وتأثيراً. أنه شعور الثأر من الأمبراطورية الشريرة التي رسمت خريطة سايكس – بيكو وقسّمت بلاد العرب، واحتلت فلسطين وتواطأت مع غيرها على تقسيمها وزرع «إسرائيل» في ربوعها، وتعاونت مع أميركا في السيطرة على معظم دول العرب وربطها بالغرب الأطلسي. كل هذا وأرد، لكن خروج بريطانيا من أوروبا لن يُخرج العرب من محنتهم لسبب رئيس: أنهم، قبل غيرهم، مسؤولون وخصوصاً حكامهم عمّا هم فيه من بؤس ويأس…
وزير سابق
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2016/06/27