قراءة في سيكولوجية التخطيط للفشل؟
د. عبدالله الحريري
اليوم المجتمعات المعاصرة تعيش ما يسمى عصر التحولات والتغيير والمفاجآت السريعة سواء اجتماعية أو اقتصادية أو بيئية وإذا أخذنا موضوع التغيير والتحول المبني على إرادة فهذا بدون شك مطلب إنساني لكسر حدة الركود والتباطؤ والجمود ونوع من البحث عن التطور والتقدم .
اليوم عندما نتكلم عن الخصخصة والتغيير والتحول فإن العنصر البشري هو الأساس وكل الآليات والإجراءات والموارد سيكون الإنسان هو المحور الأساسي فيها والضامن لنجاحها، ومن يختزل جوانب التغيير أو خططه في الجانب المادي فإن الإخفاق والفشل سيسبق النجاح عند التنفيذ، وعندما تملك الموارد المادية من السهل أن تحدث تغييرا في الجوانب المادية كالمباني والتجهيزات وخلق وإطلاق مسميات جديدة وشراء وبيع أصول أو تحويل ممتلكات ولكن بالمقابل من الصعب أن تملك عصا سحرية لتغيير أفكار وسلوكيات البشر في يوم أو ليلة أو من خلال توصيات الشركة الاستشارية الفلانية والعلانية التي تحاول التركيز واختزال عوامل التغيير في الجوانب الاقتصادية فقط.. لأن النتائج المتوقعة لعزل الجوانب الثقافية والمعرفية قد تجعل دائرة المقاومين للتغيير والتحول تتسع وتسعى لإفشال أي محاولة حتى وان كانت إيجابية والتجارب الدولية تقول أنها نجحت في دول وثقافات أخرى .
الإنسان ثم المكان والإمكانات المادية هو أساس أي تغيير اقتصادي أو اجتماعي وحتى بيئياً ولابد أن نفرق ما بين التغيير كنشاط إنساني إرادي وبين التغير كنشاط لا إنساني وأيضاً لا إرادي لأن الأول يكون نتيجة عمليات مخططة وهادفة ورغبة وحاجة للحصول على الأحسن من الإنسان نفسه أم الثاني فيخضع لقوانين الحياة والطبيعة وعوامل أخرى خارجة عن إرادة الإنسان بمعنى أخر التغيير هو تنمية بينما التغير هو مثل نمو الإنسان من الطفولة إلى الرشد .. وعلى ضوء ذلك فإن التغيير رغبة وتطور وحاجة ومطلب وقناعة وعندما يتم بالإجبار وعدم التبني والشراكة والقناعة يتحول إلى إحباط وقد يصل ببعض الأشخاص للاكتئاب وعدم الفعالية والعدوان والمقاومة وهناك من أساليب التغيير وإن كانت خلاقة ما أحدثت هدما وتخريبا وفوضى .
اليوم سياسات إعادة الهيكلة التي لا تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الثقافية والمعرفية للمجتمعات المحلية والعادات والتقاليد والأعراف والقيم عند أي تحول أو تغيير فبدون شك ستكون نتيجتها الفشل... وفي اعتقادي وما هو أسوأ من ذلك عندما تتجه فئة من المخططين والاستشاريين وبشكل متمركز حول الذات بخلق نماذج ومبادرات بمعزل عن الإرادة المجتمعية والشراكة المجتمعية على غرار نظرية عشرين ثمانين وهي أننا عندما نستطيع التغيير في عشرين في المائة من المجتمع فإن الثمانين بالمئة الباقين سيتغيرون وهذه مجازفة خاصة في الأمور المؤسسية والتي ستنال شريحة واسعة وكبيرة من القوى البشرية .
جميع سياسات التغيير والخصخصة في العالم لم ولن تنجح إلا من خلال قيادة وإدارة الموارد البشرية بشكل حكيم وعقلاني وأكثر منطقية وبشراكة وقناعة ومن يقوم على سياسة أي تغيير في أي مؤسسة وفي ذهنه الأرقام قبل السلوكيات سيفشل بل سيكون معول هدم للإبداع والكفاءات الايجابية .. وأيضاً من يقوم ومن يخطط للتغيير وإعادة الهيكلة ولا يتمتع بشخصية قيادية ومعرفية وثقافية سيساهم في خلق أجواء مشبعة بالإحباط وتدنٍ في مستوى الإنتاجية... وأيضاً من يقود عملية أي تغيير وإصلاح ولديه مخزون من الأحكام المسبقة بأن الآخرين فاسدون وينقصهم الولاء والإخلاص سيكون الأداة المثلى لبث روح عدم الولاء والإخلاص لأي مؤسسة... وأخيراً يمكن أن نطلق على مثل هذه الأمور التخطيطية التخطيط المسبق للفشل والإحباط.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2017/06/11