فلسطين والنفط في أزمات وحروب العرب من لبنان وسوريا الى العراق وليبيا والجزائر
سامي كليب
للمرء أن يسأل اليوم، لماذا تم تدمير أو تقسيم أو انهاك الدول التالية : العراق، الجزائر، ليبيا، السودان، اليمن ولبنان؟ ولماذا عاشت كل هذه الدول فتنا داخلية وعرف أبرزها الارهاب بأبشع صوره؟ أهي قصة سلطات ومعارضات فعلا؟ أهو فيضٌ من حب الخارج لنشر الديمقراطية والحريات حقاً؟ أم أن لهذه المصائب أسبابا أخرى موجودة في مكان واحد اسمه: فلسطين والن
هذه الدول الست ساهمت مباشرة بدعم القضية الفلسطينية بالعمق. منها من قدّم المال السخي، ومنها من استضاف المؤتمرات الحاسمة وساعد التنظيمات المختلفة، ومنها من فتح أراضيه وحدوده للتدريب والمساعدات العسكرية أو القيام بعمليات أمنية ضد إسرائيل.
لا يمكن القول بأن أنظمة الحكم في هذه الدول كانت مثالية، وإنها غير مسؤولة عن جزء مما حصل، فلكل نظام منها اخطاؤه رغم الفروقات بينها، لكن لو قيست بعض أخطاء هذه الأنظمة مع غيرها بمقاسات الحريات والديمقراطية لما وجدنا فروقات كبيرة سوى بالشكل (مع بعض الاستثناءات). لو كانت المسألة إذا فقط مسألة ديمقراطية وحريات لكان ينبغي ان تشمل الثورات دولا أخرى في المنطقة كانت بحاجة قصوى للتغيير.
لعلّ أخطاء بعض هذه الأنظمة أدت ايضا الى تسريع تنفيذ الخطط الغربية ضدها، فالخطأ الفادح مثلا الذي ارتكبه الرئيس صدام حسين باجتياح دولة جارة وصغيرة ومسالمة هي الكويت، جعل الغرب بقيادة أميركا يسارع الى اسقاط نظامه، بينما لو بحثنا بالعمق لأدركنا ان سبب اسقاط النظام هو في مكان آخر يتعلق معظمه بالنفط ( وطموحات الصين للاقتراب منه) وبتعاظم دور العراق بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية، وباكتساب الجيش العراقي خبرة واسعة في القتال ( تماما كالجيش الايراني) في حربٍ دامت ٨ سنوات وأدت الى مقتل ما يقارب المليون شخص ناهيك عن كوارث الجرحى والمعوقين والخسائر المادية الفادحة.
ثم جاءت الاعتداءات الإرهابية على الولايات المتحدة الاميركية في العام ٢٠٠١ لتنذر باحتمال ردة فعل أميركية على السعودية لكون معظم منفذيها كانوا سعوديين، لكن النتيجة كانت في العراق، ووصل التهديد الى سوريا، حين جاء وزير الخارجية الاميركي كولن بأول في أيلول/سبتمبر ٢٠٠٣ حاملا رسالة تهديد واغراء للرئيس بشار الأسد، تطلب اقفال مكاتب المنظمات الفلسطينية وطرد قادتها وقطع العلاقة مع حزب الله وإيران ومنع دخول علماء العراق الى سوريا (اغتيل منهم لاحقا في العراق نحو ٥ الآف) والقيام بمبادرة حيال إسرائيل. وأما الاغراء فهو بالقول للأسد انه لو فعل سيصبح الشريك الأهم لأميركا في المنطقة.
لم تثنِ حرب السنوات العشر في الجزائر، هذا الشعب الجزائري العظيم وجيشه وقيادته عن إبقاء فلسطين في قلب القلب. والأمر نفسه ينسحب على معظم دول المغرب الكبير حتى ولو ان بعض قادة المغرب فتحوا في لحظة معينة علاقات مع إسرائيل. قلوب اهل المغرب الكبير تنبض على قلب فلسطين. فلو ذهبنا الى موريتانيا اليوم نجد ان السفارة الإسرائيلية قد جُرفت، وأقيم الى جانب السفارة الاميركية مجسم لقبة الصخرة ردا على منح الرئيس دونالد ترامب القدس لإسرائيل.
سعت واشنطن بعد تدمير العراق بناء على كذبتي أسلحة الدمار الشامل وتعامل صدام حسين مع القاعدة (وقد نفاهما لاحقا المسؤولون الاميركيون والبريطانيون أنفسهم) الى تنصيب قيادة موالية لها لتضم بغداد الى تحالفاتها التاريخية مع الخليج. لكن سرعان ما تبين أن ثمة لاعبا غير منتظر دخل بقوة الى البيئة العراقية، هي إيران. لم يعتقد أحد ان الدولة التي تقاتلت مع العراق بأشرس حرب ستعود حليفة لجزء مهم من بيئته. ثم تم تأسيس الحشد الشعبي وقوى أخرى استعادت شعارات مناهضة إسرائيل، وهي شعارات معروفة في العراق منذ أيام البعث وقبله لكنها هذه المرة صارت في إطار محور متكامل.
اليوم ونحن في عصر التمرير الخبيث لصفقة القرن (نفذ جزء كبير منها)، كان المطلوب تحييد كل هذه الدول عن محور الصراع المباشر، لا بل وأيضا عن أي تأييد شعبي كبير. فمن كان يظن مثلا انه حين اتخذ ترامب قرارات بشأن القدس والجولان، وحين قررت إسرائيل تهويد كل شيء بما في ذلك المقدسات، سوف لن يلتهب الشارع العربي من مشرقه الى مغربه؟ لم يحصل أي شيء في الواقع.
لا يُمكن فهم ما يحصل اليوم من تحولات كبرى في المنطقة العربية فقط من زاوية انتفاضات الكرامة عند شعوب نهشها الفساد او سوء إدارة الحكم، فاذا كان الشعب السوداني قد قدم نموذجا لثورة سلمية رائعة وأسقط النظام الإسلامي ورئيسه عمر حسن البشير، الا ان المطلوب من التعقيدات الاقتصادية الكبيرة حاليا هو دفع الخرطوم بسرعة للالتحاق بمحور صفقة القرن وهذا صعب عند شعب حمل فلسطين في قلبه وما يزال.
واذا كانت الجزائر فاجأت العالم بثورتها السلمية وبالتفاف الجيش حول الثورة بقيادة الجنرال المرحوم قايد صالح، الا ان المطلوب من الجزائر ان تبقى منشغلة بوضعها الداخلي وبحدودها الملتهبة كي لا تستطيع ان تحرك ساكنا.
وأما لبنان فهو الضحية الكبرى لمشاريع المنطقة. هكذا كان وهكذا سيبقى. ففيه مقاومة تُقلق فعليا إسرائيل، وفيه تباين طائفي ومذهبي لم يهدأ منذ ١٠٠ عام، وزاد القلق أكثر بعد مشارفة الحرب السورية على الانتهاء ذلك ان كل الحدود مع إسرائيل باتت مشرّعة على كل احتمال في اعقاب تدريبات بقيت بعيدة عن الأضواء تتعلق بمستقبل الجولان، ناهيك عن عودة المقاتلين المدربين باحتراف كبير الى مكانهم الطبيعي.
ثمة محوران يتصارعان حاليا على أرض العرب، الأول يريد تمرير صفقة القرن بأسرع ما يمكن وقبل انتهاء ولاية ترامب، والثاني يضم دولا وشعوبا واحزابا ازدادت قناعتها باحتمال تغيير التوازنات العسكرية جميعا مع إسرائيل وحلفائها.
المطلوب إذا حصر الصراع بين دول غربية من جهة وتشكيلات عسكرية شيعية دائرة في الفلك الايراني. هذا يُسهّل عزلها. كان ذلك غير ممكن بوجود دول عربية سنيّة كبيرة مناهضة للمشاريع المشبوهة. وكانت الخطة تقضي بإخراج العمق السني من معادلة الصراع، لكن هذا كحلم ابليس في الجنة، فهذا العمق السني الرائع ما زال مناهضا للقضاء على فلسطين. فحتى في الدول ذات العلاقة الدبلوماسية مع إسرائيل مثل مصر، من المستحيل رؤية سفير إسرائيلي يتجول بسهولة في شارع مصري، ناهيك عن عقيدة الجيوش المستمرة في اعتبار إسرائيل تهديدا.
زاد في الطين بلة، النفط القائم او المكتشف حديثا، فلننظر الآن مثلا الى خطوط الانابيب التي كانت تُرسم سرا قبيل الحرب السورية. لنراقب حركة إسرائيل مع اليونان وقبرص لانبوب جديد. لنشاهد عن قرب الصراع المحموم حول النفط الليبي. لنراقب عن كثب التنافس الشديد الذي قام بين اميركا وفرنسا حول الجزائر في السنوات الأخيرة لعهد الرئيس بوتفليقة. لندرس بدقة من استهدف وما يزال منابع الثروة الطبيعية والنفطية في الشمال والشرق السوريين، لندقق بما يحمله المبعوثون الاميركيون من رغبات إسرائيلية بترسيم الحدود البرية والبحرية في لبنان قبل استخراج الغاز، لو فعلنا كل ذلك سنفهم تماما أن هذه الدول هي ضحية دعمها لفلسطين ولاكتشافات النفط او عبوره فيها.
لذلك من الضروري تحصين الساحات الداخلية بإصلاحات حقيقية وبمشاريع دولة تستجيب لمطالب الناس، ذلك ان الدول المحصنة، تعرف كيف تستغل ثرواتها وتحافظ على قرارها وتنهض بشعوبها وتحمي حدودها ضد كل غاز وطامح وطامع.
مدونة الكاتب سامي كليب
أضيف بتاريخ :2019/12/28