هل الولايات المتحدة في الخليج لحماية دوله وأنظمته أم انها هناك لابتزازها ونهب ثرواتها ولحماية مصالحها؟
د. عبد الحي زلوم
قولوا لهم ارحلوا:
ما يدمي القلب هو أن عمليات النهب وسرقة الثروات في منطقتنا العربية عموماً ودول الخليج خصوصاً غير مسبوقة بالتاريخ بحجج سنثبت أنها كاذبة. وبالرغم من كل ما تم نهبه ما زال الابتزاز قائماً وبوقاحة حيث أن الرئيس ترامب قال لدول الخليج منذ ايام عليكم ان تدفعوا اكثر واكثر لحمايتنا لكم وعليكم ان تقدموا الاحترام للولايات المتحدة!
لقد اوصلت الولايات المتحدة من تدعي أنها حلفاءهم الى مراحل حرجة لها عواقب اقتصادية آنية وأخرى مستقبلية. ان الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها دول الخليج عموماً بما فيها السعودية كمثال هو أمر غير مسبوق. تُقدّر المؤسسات الاقتصادية أن عجز ميزانية السعودية هذه السنة سيصل الى 112 مليار دولار. مما اضطرها الى اتخاذ قرارات وصفتها بأنها مؤلمة ومنها وقف علاوات المعيشة وزيادة ضريبة القيمة المضافة من 5 الى 15% باعتبار ان هذين الاجرائين سيوفّران حوالي 26 مليار دولار. علماً بأنه لو خفضت السعودية ميزانية الدفاع لتصبح مساوية لميزانية دفاع الاتحاد الروسي لوفرت مثل هذا المبلغ . كل ذلك يتم مع اضطرارها لتخفيض انتاجها بحوالي 5 مليون برميل يومياً ابتداءا من حزيران. واعتقد ان ذلك قد لا يكون كافيا ليصبح العرض مساويا للطلب مما يعني أن الاسعار ستبقى منخفضة الى شهور عديدة على الاقل نتيجة الى ارتفاع المخزون العالمي والهبوط الحاد للطلب . يضاف الى ذلك انقطاع الدخل من السياحة الدينية .
لوكان هناك ادنى شك بأن دونالد ترامب قد جمع ثروته بالتعاون مع المافيا كما قالت محطة CNN الامريكية بان هناك ادعاءات بتعاونه مع المافيا لتكوين ثروته فان مثل هذا الشك يصبح يقينا عندما نرى اسلوبه وتكراره للطلب من دول النفط بدفع (اتاوات) التي هي أسلوب المافيا في الابتزاز وما تسميه ( PROTECTION MONEY) .
***
اكذوبة حماية دول الخليج :
منذ بداية القرن العشرين حينما كانت الامبراطورية البريطانية هي ذراع الرأسمالية الصهيونية العالمية وبعد انتقال تلك الوظيفة الى الامبراطورية الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية والى تسليم هذه المهمة الامبريالية من بريطانيا الى الولايات المتحدة في دول الخليج من بداية سبعينات القرن الماضي فإن التواجد الامبريالي كان لحماية مصالح الرأسمالية العالمية الصهيونية لا لحماية أنظمة تلك الدول. ودعني من فمهم أُدينهم بشكل لا التباس فيه.
ففي 1980 أصدر الرئيس كارتر مبدأه – مبدأ كارتر- والذي عمليّاً يعلن منطقة الخليج بحيرة أميركية ، تماماً كما فعل البريطانيون من قبله. وأعلن كارتر: ” أي محاولة من أي قوة خارجيّة لحيازة السيطرة على منطقة الخليج الفارسي، سوف تعتبر هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية ، وإن مثل هذا الهجوم سيتم صدّه بكافة الوسائل اللازمة ، بما فيها القوة المسلّحة.”
أليس هذا بالضبط هو صدى وزير الخارجية البريطاني لانزداون، الذي أصدر تحذيراً مماثلاً قبل 77 عاماً من كارتر، حيث أعلن في 9031 وفور بدء الحفر للنفط في إيران أن الحكومة البريطانية:
“تعتبر إنشاء أي ميناء بحري محصّن في الخليج الفارسي من قبل أي قوة أخرى ، تهديداً بالغ الخطورة للمصالح البريطانية، وأننا بالتأكيد سنتصدى له ونقاومه بكل الوسائل المتاحة لنا.” وكما كانت البحرين مركزاً لقيادة الاسطول الملكي البريطاني في الخليج أصبحت مركزاً لقيادة الاسطول الخامس الامريكي لاحقاً. وهذا برهانٌ دامغ على تبادل الادوار بين الامبراطوريتين البريطانية والامريكية.والهدف لم يكن لحماية دول الخليج ابدا في أي يوم.
اذن هم في الخليج كما قال وزير الخارجية البريطاني للحفاظ على المصالح البريطانية تماماً كما قال كارتر أنهم بالخليج لحماية (المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية) . اذن هم جاؤوا الى الخليج لحماية مصالحهم وكما يبدو اليوم واضحاً وجلياً فمصالحهم هي ابتزازكم ونهب ثرواتكم وان طلبوا المغادرة فقولوا لهم مع السلامة فهم لم ولن يحموكم .
***
لا تُصدّقوهم، هم بحاجتكم اكثر من حاجتكم اليهم:
ضمن الحرب النفسية التي تقوم بها الولايات المتحدة لإخافة دول النفط العربية هي ان الولايات المتحدة ليست بحاجة الى النفط العربي بعد انتاجها الزيت الصخري وهذه كذبة كبرى.
منذ بداية سبعينات القرن العشرين اصبحت الولايات المتحدة مستوردة للنفط واصبح هذا هو اكبر مسبب في عجوزات الميزانية الامريكية ففي عام 1989 مثلا استوردت 45 بالمائة من نفطها ، كما أشارت دراساتها الى أنه ربما كان عليها أن تستورد أكثر من 65 بالمائة من نفطها مع نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين. كذلك كان حوالي 40 بالمائة من عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة عام 1989 ناشئ عن وارداتها النفطية.
مما كان سبباً اساسيا في حرب الخليج الاولى والتي أوحت سفيرة الولايات المتحدة في بغداد لصدام حسين ما فهم منه أنه يستطيع غزو الكويت لانها كانت تريد احضار نصف مليون جندي امريكي الى المنطقة لتنتقل من الهيمنة غير المباشرة الى الاحتلال المباشر حيث انها تخيم فوق كل حقول النفط الكبيرة في الخليج.
احتاجت الولايات المتحدة الى النفط بصفته سلعة استراتيجية لتحريك صناعاتها وجيوشها وكذلك ليصبح غطاءا للدولار حيث يتم دفع ثمنه بالدولار الذي يشغل مطابع الولايات المتحدة مما مكنها من خلق النظام المالي العالمي الامتصاصي الذي يعاني سكرات الموت هذه الايام، وسبب هام اخر مازال قائما هو ان الولايات المتحدة تريد ان تقرر من يأخذ النفط ومن لا يأخذه من الاصدقاء والاعداء . لذلك فان لها اساطيل ومنشآت عسكرية على طول الطريق من الخليج وحتى الصين باعتبار ان اغلاق نفط الخليج عن الصين سيضرب الاقتصاد الصيني ضربة مؤلمة باعتبار ان هيتلر خسر الحرب العالمية الثانية لعدم تمكنه من الوصول الى مصادر النفط، الجنرال روميل خسر معركته في العلمين في شمال افريقيا لانقطاع امدادات النفط عنه.
وأخيراً هل تعلمون ان احتياطيات النفط للولايات المتحده مع الزيت الصخري هي 35 مليار برميل فقط وان استهلاكها اليومي يزيد عن 20 مليون برميل باليوم، اي 7 مليار برميل بالسنة اي ما يكفي ل 5 سنوات؟! وألا تلاحظون معي ان حروب الولايات المتحدة العلنية والسرية هي ضد فنزويلا صاحب اكبر احتياط نفطي في العالم وضد ايران صاحبة ثالث احتياط نفطي في العالم وفي العراق صاحبة خامس احتياط نفطي في العالم، هذا ليس مصادفة.
إنّ ما تبقّى من ثروتكم ان ذهبت فلن تعود، حمانا الله وحماكم من شرور انفسنا وشرورهم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/05/13