الأحساء في ضمير التاريخ
قبل أن تكون الأحساء في ضمير أبنائها كانت ولا تزال لها مكانتها السامقة في ضمير التاريخ الذي حمل تفاصيل خارطتها الجغرافية والإنسانية منذ فجره السحيق، يوم لم يكن للحضارة سوى خطوات متعثرة، استقامت في حواضر الزمن الغابر التي قامت على شواطئ البحار، وواحات النخيل، وعواصم العالم التي نبتت في ظلالها بذور حضارات سادت ثم بادت، تلك كانت حالة مدن عرفها التاريخ، وحفظ خطواتها الأولى على مدارج الحضارة، حتى استقامت تلك الخطوات، في صناعة فجر التاريخ فأشرقت شمسها الدافئة، حاملة معها الخصب في مواسم الفرح، فكانت الأحساء أو هجر أو أرض البحرين جوهرة مضيئة في عقد الزمن الموشى بحوادث لم تكن سوى قراءة متأنية في صورة الإنسان عبر تاريخه الطويل. هذا الإرث الحضاري العريق في عناقه الأزلي مع الحياة، بعث إلى الوجود إنسانا لم يعرف سوى الصبر والكرم وسمو النفس وحسن المعشر، ذلك هو الإنسان في الأحساء وهو يعيش سراء الحياة وضرائها، شامخا كشموخ نخيلها الباسقة، وكريما ككرم أرضها المعطاء، ولين الجانب كلين مياهها المتدفقة بسخاء وترف، فكانت مأوى العشائر المهاجرة إليها من كل بقاع الجزيرة العربية، عندما يجور عليها الزمن، ويحل القحط بأرضها فلا تجد غير أرض الأحساء ملاذا، ولا غير ثرائها منقِذا، ولا غير علم علمائها معينا صافيا، تأوي إليه قلوب طلاب العلم من كل الأصقاع والبقاع، فالأحساء هي بحق سلة غذاء الجزيرة العربية منذ القدم، وهي أيقونة الحضارة في ربوعها المترامية الأطراف. لقد رسمت الأحساء على خارطة الحاضر علامات فارقة من العطاء والإبداع والتعايش والانسجام بين أبنائها، فكانوا يدا واحدة في مواجهة التحديات، حتى أصبحت بثرواتها الطبيعية وعلم أُسرِها العريقة، واحة لكل محتاج، ينعم بخيراتها، ويتفيأ في ظلالها، وينهل من علوم أعلامها، وقد يسر الله لها طبيعة تعين على سهولة الوصول إليها، بانفتاحها شرقا على البحر من خلال العقير، وغربا على صحراء نجد، وامتدادها الجغرافي من شمال الخليج إلى جنوبه، لتكون ممرا للتجارة ما بين أفريقيا والهند من جانب، ودول الهلال الخصيب من جانب آخر، ومن يرد استعراض منجزات الأحساء عبر التاريخ، وما تكتنزه أرضها من تراث حضاري إنساني موغل في القِدم؛ يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، مما لا يتيسر لفرد واحد أن يقوم به مهما كان علمه، ومهما كانت قدرته على الكتابة.
المزيد